الأحد الثالث بعد الدنح: إعتلان سرّ المسيح لنيقوديمس وللشعب اليهوديّ
كانَ إِنْسَانٌ مِنَ الفَرِّيسيِّينَ ٱسْمُهُ نِيقُودِيْمُوس، رَئِيسٌ لِليَهُود.
هذَا جَاءَ لَيْلاً إِلى يَسُوعَ وقَالَ لَهُ: «رَابِّي، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ جِئْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنَّهُ لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَصْنَعَ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَصْنَعُهَا مَا لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ».
أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: «أَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ مَا لَمْ يُولَدْ مِنْ جَدِيد».
قَالَ لَهُ نِيقُودِيْمُوس: «كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يُولَدَ وهُوَ كَبِيرٌ في السِّنّ؟ هَلْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ ثَانِيَةً حَشَا أُمِّهِ، ويُولَد؟».
أَجَابَ يَسُوع: «أَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ، لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ مَا لَمْ يُولَدْ مِنَ المَاءِ والرُّوح.
مَولُودُ الجَسَدِ جَسَد، ومَوْلُودُ الرُّوحِ رُوح.
لا تَعْجَبْ إِنْ قُلْتُ لَكَ: عَلَيْكُمْ أَنْ تُولَدُوا مِنْ جَدِيد.
أَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاء، وأَنْتَ تَسْمَعُ صَوتَهَا، لكِنَّكَ لا تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي ولا إِلى أَيْنَ تَمْضِي: هكَذَا كُلُّ مَوْلُودٍ مِنَ الرُّوح».
أَجَابَ نِيقُودِيْمُوسُ وقَالَ لَهُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَصِير هذَا؟».
أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وتَجْهَلُ هذَا؟
أَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: نَحْنُ نَنْطِقُ بِمَا نَعْلَم، ونَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وأَنْتُم لا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا.
كَلَّمْتُكُم في شُؤُونِ الأَرْضِ ولا تُؤْمِنُون، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِذَا كَلَّمْتُكُم في شُؤُونِ السَّمَاء؟
مَا مِنْ أَحَدٍ صَعِدَ إِلى السَّمَاء، إِلاَّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاء، أَي إِبْنُ الإِنْسَان.
وكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة، كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ الإِنْسَان،
لِكَي تَكُونَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بِهِ حَيَاةٌ أَبَدِيَّة.
هكَذَا أَحَبَّ اللهُ العَالَم، حتَّى إِنَّهُ جَادَ بِٱبنِهِ الوَحِيد، لِكَي لا يَهْلِكَ أَيُّ مُؤْمِنٍ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّة.
محاضرات ألقيت في جنيف حول إنجيل القدّيس يوحنّا (من سنة 1972 إلى سنة 1974)
"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لَكَ: ما مِن أَحَدٍ يُمكِنَه أَن يَرى مَلَكوتَ الله إِلاَّ إِذا وُلِدَ مِن عَلُ" (يو 3: 3). – ماذا يمكن أن يعني لنيقوديموس أن يولد الإنسان من عَلُ؟ "قال له نيقوديموس: كَيفَ يُمكِنُ الإِنسانَ أَن يُولَدَ وهوَ شَيخٌ كَبير؟ أَيَستَطيعُ أَن يَعودَ إِلى بَطنِ أُمِّهِ ويُولَد؟"(يو 3: 4).إنّه لم يفهم. ماذا يعني أن "يولَد"؟ شيء عميق، بالطبع. فالولادة أمرٌ لا يحدث إلاّ مرّة واحدة في حياتنا. فماذا أراد الرّب يسوع أن يقول إذًا؟ ماذا قصد بكلمة "الولادة" هذه؟ حسنًا! هناك حياة أخرى. لديكم حياة بشريّة، ثمّ هناك حياة أخرى، وهي حياة إلهيّة. تلك الحياة كانت منتشرة على البشريّة، لكن كما في سحابة، منذ اليوم التالي للسقطة. لا ينسى الله البشريّة، إنّه يأتي لمساعدتها بشكلٍ غامض، بطريقة ضمنيّة، مغلَّفة للغاية، كما في ضباب؛ ثمّ الآن، تظهر هذه الأشياء على عتبة الأزمنة الأخيرة من تاريخ الخلاص. ما كانت ردّة فعل الرّب يسوع؟ إنّه لم يُجِب كما قد يجيب أحد الفلاسفة: أردتُ أن أقول هذا أو ذاك. كلا، فإنّه لم يُرِد حلّ المسألة، بل أراد أن يفتحها أكثر على خلفيّة ستبدو أكثر تطلّبًا وأكثر روعةً. فالرّب لم يَحُلّ المشاكل، بل فتحها في الاتّجاه الصحيح. لقد تصرّف بطريقة مختلفة تمامًا عن فيلسوف يعطي درسًا، أو عالِم يقدّم بُرهانًا. فالأمر الرئيسيّ هو انفتاح القلب، حيث يتدخّل (الرّب يسوع) بشكلٍ سرّيّ. كان الأب غاريغو-لاغرانج يقول: - لمّا كان الرّب يسوع يعظ بالأمثال، كان يضع مستمعيه – المنتبهين طبعًا - كما في حالة تأمُّل، ليتأمّلوا، كلٌّ بحسب مستواه، الرسالة التي كان يوجّهها.
#شربل سكران بالله