الأحد السادس من الصوم الكبير : أحد شفاء الأعمى
بَيْنَمَا يَسُوعُ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحا، هُوَ وتَلامِيذُهُ وجَمْعٌ غَفِير، كَانَ بَرْطِيمَا، أَي ٱبْنُ طِيمَا، وهُوَ شَحَّاذٌ أَعْمَى، جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّريق.
فلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيّ، بَدَأَ يَصْرُخُ ويَقُول: «يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي!».
فَٱنْتَهَرَهُ أُنَاسٌ كَثِيرُونَ لِيَسْكُت، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَزْدَادُ صُرَاخًا: «يَا ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي!».
فوَقَفَ يَسُوعُ وقَال: «أُدْعُوه!». فَدَعَوا الأَعْمَى قَائِلِين لَهُ: «ثِقْ وٱنْهَضْ! إِنَّهُ يَدْعُوك».
فطَرَحَ الأَعْمَى رِدَاءَهُ، ووَثَبَ وجَاءَ إِلى يَسُوع.
فقَالَ لَهُ يَسُوع: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ لَكَ؟». قالَ لَهُ الأَعْمَى: «رَابُّونِي، أَنْ أُبْصِر!».
فقَالَ لَهُ يَسُوع: «إِذْهَبْ! إِيْمَانُكَ خَلَّصَكَ». ولِلْوَقْتِ عَادَ يُبْصِر. ورَاحَ يَتْبَعُ يَسُوعَ في الطَّرِيق.
حَيَاةُ مُوسَى، ٱلْجُزْءُ ٱلثَّانِي
قالَ موسى لِلرَّبّ عَلىٰ جَبَلِ سيناء: "أرِني مَجدَك". أجابَه ٱللَّهُ: "أمُرُّ بِكُلِّ حُسني أمامَك... أَمّا وَجهي فلا تَستَطيعُ أَنْ تَراهُ" (خر ٣٣: ١٨). أَنْ يَشْعُرَ ٱلمَرْءُ بِٱلرَّغْبَةِ هٰذِهِ، يَبدُو لي وَكَأَنَّهُ ناتِجٌ عَنْ رُوحٍ يُحييها حُبُّ ٱلْجَمالِ ٱلْجَوْهَرِيّ، رُوحٌ لا يَنفَكُّ رَجاؤُها عَنْ جَذْبِها مِنَ ٱلْجَمالِ ٱلَّذي عايَنَتْهُ إِلىٰ جَمالٍ أَكبَر...يَكمُنُ ٱلطَّلَبُ ٱلْجَريءُ هٰذا، ٱلَّذي يَتَخَطّىٰ حُدودَ ٱلرَّغبةِ، بِأَلّا يَتَمَتَّعَ ٱلمَرْءُ بِٱلْجَمالِ مِنْ خِلالِ مِرآةٍ وَٱنْعِكاساتِ ٱلنُّورِ، بَل وَجهًا لِوَجه. يُمْنَحُ ٱلصَّوتُ ٱلْإِلٰهِيُّ ما طُلِبَ مِنهُ بِرَفْضِه إِيّاه...: فَإِنَّ سَخاءَ ٱللَّهِ يُلَبّي رَغبةَ ٱلطّالِبِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعِدُهُ، فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ، بِٱلرّاحةِ، وَلا يُشبِعُ غَليلَه...تِلكَ هِيَ مُشَاهدةُ ٱللَّهِ ٱلْحَقّة: فَٱلَّذي يَرفَعُ ناظِرَيْهِ نَحوَه، لا يَنفَكُّ يَتوقُ إِلَيْهِ أبدًا. لِذٰلِكَ قال: "أمّا وَجهي فلا تَستَطيعَ أَنْ تَراه"... إِنَّ ٱلرَّبَّ ٱلَّذي كانَ قَد أَعطىٰ موسىٰ ٱلْجَوابَ هٰذا، عَبّرَ بِٱلطّريقةِ ذاتِها لِتَلاميذِهِ، مُوَضّحًا مَعنىٰ هٰذا ٱلرَّمز. فَهو قال: "مَن أَرادَ أَنْ يَتبعَني" (لو ٩: ٢٣)، وَلَمْ يَقُل: "مَن أَرادَ أَنْ يَتقدَّمَني". كَما وأَنَّهُ ٱقترَحَ ٱلشَّيءَ نَفْسَهُ لِلَّذي طَلَبَ مِنهُ أَنْ يَرِثَ ٱلْحَياةَ ٱلأبَدِيّة، قائِلًا: "تَعالَ فَٱتْبَعْني" (لو ١٨: ٢٢).فَٱلَّذي يَتْبَعُ يَرىٰ ظَهْرَ ٱلَّذي يَقودُه. يَنتُجُ إِذًا عَنْ ذٰلِكَ أَنَّ ٱلتَّعليمَ ٱلَّذي تَلَقّاهُ موسىٰ عَنِ ٱلطّريقةِ ٱلَّتي تَسمَحُ لِلْمَرءِ بِمُشَاهدةِ ٱللَّهِ هِيَ ٱلتّالية: أَنْ نَتْبَعَ ٱللَّهَ حَيْثُما يَقودُنا، هُوَ أَنْ نُشَاهِدَه. وَبِٱلْفِعلِ، فَإِنَّهُ يَستَحيلُ عَلَى ٱلشَّخصِ ٱلَّذي يَجهَلُ ٱلطَّريقَ أَنْ يَتقدَّمَ بِأَمانٍ إِذا لَمْ يَتْبَعِ ٱلدَّليل. فَٱلدَّليلُ يُطْلِعُهُ عَلَى ٱلطّريقِ وَهُوَ يَتقدَّمُه. فَٱلَّذي يَتْبَعُ لَنْ يَضِلَّ ٱلطَّريقَ ٱلصَّحيح ما دامَ نَظَرُهُ مُثبَّتًا عَلَىٰ ظَهرِ ٱلَّذي يَقودُه.فَإِذا سَمَحَ لِنَفْسِهِ ٱلتَّوَجُّهَ إِلىٰ جانِبِ ٱلطَّريقِ، أَوْ إِذا ٱلتَفَتَ بِوَجهِ دَليلِهِ، يَكونُ قَدِ ٱتَّخَذَ طَريقًا مُخالِفًا لِلَّذي يُشيرُ إِلَيْهِ ٱلدَّليل. لِذٰلِكَ قالَ ٱلرَّبُّ لِلَّذي يَقودُه: "أمّا وَجهي فلا تَستَطيعَ أَنْ تَراه"، أَيْ: "لا تَلتفِتْ بِوَجهِ دَليلِكَ". فَعِندَها يُصبِحُ مَسارُكَ مُعاكِسًا لِمَسارِهِ... إِنَّكَ تَرىٰ إِذًا مَدىٰ أَهَمِّيّةِ تَعلُّمِ كَيْفِيّةِ ٱتّباعِ ٱللَّه. فَكُلُّ مَنْ يَتْبَعُهُ عَلَىٰ هٰذا ٱلنَّحو، لا يَتَعرَّضُ فِي مَسيرَتِهِ لِأَيَّةِ مُعاكَسَةٍ مِنْ مُعاكَساتِ ٱلشَّرّ.
#شربل سكران بالله