فيمَا يَسوعُ يَتَكَلَّم بِهذَا، رَفَعَتِ ٱمْرَأَةٌ مِنَ الجَمْعِ صَوْتَها، وَقَالَتْ لَهُ: «طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذي حَمَلَكَ، وَلِلثَّدْيَينِ اللَّذَينِ رَضِعْتَهُمَا».
أَمَّا يَسُوعُ فَقَال: «بَلِ ٱلطُّوبَى لِلَّذينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَحْفَظُونَها!».
وفيمَا كانَ الجُمُوعُ مُحْتَشِدِين، بَدَأَ يَسُوعُ يَقُول: «إِنَّ هذَا الجِيلَ جِيلٌ شِرِّير. إِنَّهُ يَطْلُبُ آيَة، وَلَنْ يُعْطَى آيَةً إِلاَّ آيَةَ يُونَان.
فكَمَا كَانَ يُونانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوى، كَذلِكَ سَيَكُونُ ٱبْنُ الإِنْسَانِ لِهذَا ٱلجِيل.
مَلِكَةُ الجَنُوبِ سَتَقُومُ في الدَّيْنُونَةِ مَعَ رِجَالِ هذا الجِيلِ وَتَدِينُهُم، لأَنَّها جَاءَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَان، وَهَا هُنَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَان.
رِجَالُ نِينَوى سَيَقُومُونَ في الدَّيْنُونَةِ مَعَ هذا الجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُم تَابُوا بِإِنْذَارِ يُونَان، وَهَا هُنَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَان.
العظة الأولى بمناسبة عيد ميلاد سيّدتنا مريم العذراء
في البدء، جُبِل الإنسان من أرض طاهرة ومن دون دنس (راجع تك 2: 7)؛ لكن طبيعته رأت نفسها قد حُرِمت من كرامتها المتأصلة عندما جُرّدت من النّعمة جراء السّقوط المتأتّي من العصيان وطُردت من موطن الحياة. فعِوضًا عن الفردوس، لم يعد لديها إلا حياة فانية تنقلها إلينا كإرث وراثي، حياة يليها الموت وما ينتج عنه، إي فساد الجنس البشري. كلّنا كنّا قد فضّلنا العالم الأرضي على العالم العُلويّ. ولم يعد متبقّيًا لنا أيّ رجاء في الخلاص؛ وكانت حالة طبيعتنا تطلب النجدة من السّماء. ما من شريعة كانت لتشفي عاهتنا... وأخيرا، عندما ارتآه مناسبًا، قرر بارئ الكون إظهارَ عالم جديد، عالم آخر، — ملؤه التناغم والشّباب — تُبعَد منه عدوى الخطيئة، والموت، رفيقتها. فيتم إهدائنا حياة جديدة بكليتها، حرّة ومنشرحة، نحن الذين قد نجد في العماد ولادة جديدة وإلهية بأكملها... فما هو إذًا السّبيل إلى تحقيق هذا المخطّط الخلاصي؟ ألم يكن من المناسب أنّ تضع عذراء في غاية الطهارة ومن دون دنس نفسها أوّلًا في خدمة هذا المخطّط المليء بالأسرار الإلهيّة، وتحبل بالكائن اللامتناهي وفق طريقة تتخطى القوانين الطبيعية؟... فهكذا إذًا، كما أخذ الله في الفردوس من أرض عذراء ومن دون دنس القليل من الطّين ليصنع أوّل آدم، كذلك، في حين تحقيق تجسّده الخاص، استخدم أرضًا أخرى، إن صحّ القول، وبالتحديد هذه العذراء الطاهرة وبلا دنس، التي تمّ اختيارها من بين سائر المخلوقات. ففيها هي جعلَنا من جديد، انطلاقًا من طينتنا بالذات، وأصبح هو آدم الجديد، هو خالق آدم، ليَخلُص القديم من خلال الجديد والأزلي.
#شربل سكران بالله