هذِهِ شَهَادَةُ يُوحَنَّا، حِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ اليَهُود، مِنْ أُورَشَليم، كَهَنَةً ولاوِيِّينَ لِيَسْأَلُوه: «أَنْتَ، مَنْ تَكون؟».
فَٱعْتَرَفَ، ومَا أَنْكَر، إِْعَتَرَفَ: «أَنَا لَسْتُ المَسيح»،
فَسَأَلُوه: «مَا أَنْتَ إِذاً؟ هَلْ تَكُونُ إِيلِيَّا؟». فقَال: «لَسْتُ إِيلِيَّا». قَالُوا: «هَلْ تَكُونُ أَنتَ النَّبِيّ؟». فَأَجَاب: «لا!».
فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ تَكُون، لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذينَ أَرْسَلُونَا؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟».
أَجَاب: «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ في البَرِّيَّة، قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبّ، كَمَا قَالَ آشَعيا النَّبِيّ».
وكَانَ المُرْسَلُونَ مِنَ الفَرِّيسيِّين.
فَسَأَلُوهُ وقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا إِذًا تُعَمِّد، إِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ المَسِيح، ولا إِيليَّا، ولا النَّبِيّ؟».
أَجَابَهُم يُوحَنَّا قَائِلاً: «أَنَا أُعَمِّدُ بِٱلمَاء، وبَيْنَكُم مَنْ لا تَعْرِفُونَهُ،
هُوَ الآتِي وَرائِي، وأَنَا لا أَسْتَحِقُّ أَنْ أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ».
جَرَى هذَا في بَيْتَ عَنْيَا، عِبْرِ الأُرْدُنّ، حَيْثُ كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّد.
العظة الثّانية عن إنجيل القدّيس يوحنّا
كيف أتى الرّب يسوع المسيح؟ لقد ظهر كإنسان. لأنّه كان إنسانًا إلى حدّ أنّ الطبيعة الإلهيّة اختفت فيه، أُرسل رجلٌ مُميّزٌ ليسبقه ويعرّف عنه للنّاس بأنّه أكثر من إنسان، هو، الرّب يسوع المسيح... مَن كان، ذاك الذي أتى ليشهد للنور؟ كان رجلاً استثنائيا، يوحنّا هذا، صاحب شأن عظيم ونعمة بارزة وسمو كبير. تأمّل به كما تتأمّل بجبلٍ شاهقٍ: يبقى الجبل في الظلام ما دام النور لم يلفّه: "لَمْ يَكُنْ هو النُّور"(يو 1: 8). لا تعتبر أنّ الجبل هو النور؛ لذا، لا تلجأ إليه لأنّه ليس الدواء الشافي. إذًا، ماذا يجب أن نتأمّل؟ فلنتأمّل الجبل، لكن كجبلٍ فقط. ارتَفِع إلى مَن يضيء هذا الجبل الذي ينتظر أن يتلقّى أشعّة الشمس أوّلاً، ليرسلها فيما بعد إلى عينيك. يُقال إنّ أعيننا هي أيضًا أنوار؛ لكن إن لم نُشعل نورًا في الليل أو إن لم تشرق الشمس في النهار، فإنّ أعيننا تنفتح بلا جدوى. كان يوحنّا نفسه ظلامًا قبل أن يستنير. وهو لم يصبح نورًا إلاّ بفعل هذه الاستنارة. لو لم يتلقَّ أشعة النور، لظلّ ظلامًا مثل الآخرين... أين هو هذا النور إذًا؟ "كان النُّورُ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم" (يو 1: 9). إن كان ينير كلّ إنسان، فهو قد أنار أيضًا يوحنّا الذي شاء أن يظهر من خلاله (أي من خلال يوحنّا)... لقد جاء من أجل البسطاء والقلوب المجروحة والنفوس العمياء... أتى من أجل أولئك العاجزين عن رؤيته مباشرة. لقد لفّ يوحنّا بأشعّته. من خلال الإعلان أنّه خضع بنفسه للتنوير، عرّفنا يوحنّا بمَن يعطي النور ويُنير، بمَن هو مصدر كلّ عطاء.
#شربل سكران بالله