قالَ الربُّ يَسوع لِتَلامِيذِهِ: «كانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيل. فَوُشِيَ بِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ يُبَدِّدُ مُقْتَنَيَاتِهِ.
فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هذَا الَّذي أَسْمَعُهُ عَنْكَ؟ أَدِّ حِسَابَ وِكَالَتِكَ، فَلا يُمْكِنُكَ بَعْدَ اليَوْمِ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً.
فَقَالَ الوَكِيلُ في نَفْسِهِ: مَاذَا أَفْعَل؟ لأَنَّ سَيِّدي يَنْزِعُ عَنِّي الوِكَالة، وأَنَا لا أَقْوَى عَلَى الفِلاَحَة، وَأَخْجَلُ أَنْ أَسْتَعْطي!
قَدْ عَرَفْتُ مَاذَا أَفْعَل، حَتَّى إِذَا عُزِلْتُ مِنَ الوِكَالَةِ يَقْبَلُنِي النَّاسُ في بُيُوتِهِم.
فَدَعَا مَدْيُونِي سَيِّدِهِ واحِدًا فَوَاحِدًا وَقَالَ لِلأَوَّل: كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدي؟
فَقَال: مِئَةُ بَرْمِيلٍ مِنَ الزَّيْت. قَالَ لَهُ الوَكيل: إِلَيْكَ صَكَّكَ! إِجْلِسْ حَالاً وٱكْتُبْ: خَمْسِين.
ثُمَّ قَالَ لآخَر: وَأَنْتَ، كَمْ عَلَيْك؟ فَقَال: مِئَةُ كِيسٍ مِنَ القَمْح. فَقالَ لَهُ الوَكيل: إِلَيْكَ صَكَّكَ! وٱكْتُبْ: ثَمَانِين.
فَمَدَحَ السَّيِّدُ الوَكِيلَ الخَائِن، لأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِحِكْمَة. فَإِنَّ أَبْنَاءَ هذَا الدَّهْرِ أَكْثَرُ حِكْمَةً مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ في تَعَامُلِهِم مَعَ جِيلِهِم.
وَأَنَا أَقُولُ لَكُم: إِصْنَعُوا لَكُم أَصْدِقاءَ بِالمَالِ الخَائِن، حَتَّى إِذا نَفَذ، قَبِلَكُمُ الأَصْدِقاءُ في المَظَالِّ الأَبَدِيَّة.
أَلأَمِينُ في القَلِيلِ أَمينٌ في الكَثِير. والخَائِنُ في القَلِيلِ خَائِنٌ أَيْضًا في الكَثير.
إِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ في المَالِ الخَائِن، فَمَنْ يَأْتَمِنُكُم عَلَى الخَيْرِ الحَقِيقيّ؟
وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ في مَا لَيْسَ لَكُم، فَمَنْ يُعْطِيكُم مَا هُوَ لَكُم؟
الرسالة 142
"فإِنَّ أَفكاري لَيسَت أَفْكارَكم، ولا طُرُقُكم طُرُقي، يَقولُ الرَّبّ" (إش 55: 8). إنّ الاستحقاق لا يقوم على كثرة العمل ولا على كثرة العطاء، بل على كثرة الأخذ وكثرة الحبّ. لقد قيل إنّ "السَّعادَةَ في العَطاءِ أَعظَمُ مِنها في الأَخْذ" (أع 20: 35). وهذا صحيح، لكن إذا ما شاء الربّ يَسُوع أن يخصّ نفسه بعذوبة العطاء، فلن يكون لائقًا رفض طلبه. فلندعه يأخذ ويعطي كلّ ما يشاء، لأنّ الكمال يقوم على العمل بمشيئته، والنَّفس التي تستسلم بكليّتها إليه، يسمّيها الربّ يَسُوع بنفسه "أمّه وأخته" وكلّ عائلته (راجع مت 12: 50). وقال في مكان آخر: "إذا أَحَبَّني أَحَد، (أي عمل بمشيئتي) حَفِظَ كلامي فأحَبَّه أَبي، ونأتي إِلَيه فنَجعَلُ لَنا عِندَه مُقامًا" (يو 14: 23). آه! ما أسهل أن نرضي الربّ يسوع وأن نُسعِد قلبه، فما علينا إلاّ أن نحبّه من دون الالتفات إلى ذواتنا ومن دون التشدّد في تفحّص عيوبنا...إنّ تيريزيا لا تتواجد في الأعالي في هذه الأثناء، لكنّ الرَبَّ يَسُوع يعلّمها أن تستمدّ فائدةً من كلّ شيء وبما تجد بذاتها من خير وشرّ. ويعلّمها أن تضارب في مصرف الحبّ، لا بل هو نفسه يضارب لأجلها من دون أن يقول لها كيف يقوم بذلك، لأنّ هذا شأنه وليس شأن تيريزيا؛ فما يعنيها هو الاستسلام والتخلّي عن ذاتها من دون أن تحتفظ بشيء، ولا حتّى بمتعة أن تعرف ما يؤتيها المصرف من ربح.في الواقع، يدفع المرشدون الروحيّون الإنسان إلى التقدّم في الكمال، بإتمام عدد كبير من أعمال الفضيلة، وإنّهم على حقّ. أمّا مرشدي، أي الرَبّ يَسوع، فهو لا يعلّمني إحصاء أعمالي، بل يعلّمني أن أعمل كلّ شيء بمحبّة وألاّ أرفض له شيئًا، وأن أسرّ حين يمنحني فرصة لأبرهن له أنني أحبّه، لكنّ هذا الأمر يتمّ بسلام وفي تسليم تامّ، ومَن يعمل كلّ شيء، إنّما هو الرَبّ يسوع. أمّا أنا، فلا أعمل شيئًا.
#شربل سكران بالله