بَعْدَ ذلِك، كَانَ يَسُوعُ يَتَجَوَّلُ في الجَلِيل، ولا يَشَاءُ التَّجَوُّلَ في اليَهُودِيَّة، لأَنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ قَتْلَهُ.
وكَانَ عِيدُ اليَهُود، عِيدُ المَظَالِّ، قَريبًا.
فقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «إِنتَقِلْ مِنْ هُنَا، وَٱذْهَبْ إِلى اليَهُودِيَّة، لِكَي يُشَاهِدَ تَلامِيذُكَ أَيْضًا ٱلأَعْمَالَ الَّتِي تَصْنَعُهَا.
فَلا أَحَدَ يَعْمَلُ شَيْئًا في الخَفَاء، وهُوَ يَبْتَغِي الظُّهُور. إِنْ كُنْتَ تَصْنَعُ هذِهِ الأَعْمَال، فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَم»،
لأَنَّ إِخْوتَهُ أَنْفُسَهُم مَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ.
فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «مَا حَانَ وَقْتِي بَعْد، أَمَّا وَقْتُكُم فَهُوَ حَاضِرٌ فِي كُلِّ حِين.
لا يَقْدِرُ العَالَمُ أَنْ يُبْغِضَكُم، لكِنَّهُ يُبْغِضُنِي، لأَنِّي أَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَعْمَالَهُ شِرِّيرَة.
إِصْعَدُوا أَنْتُم إِلى العِيد، وأَنَا لا أَصْعَدُ إِلى هذَا العِيد، لأَنَّ وَقتِي مَا تَمَّ بَعْد».
قَالَ لَهُم هذَا، وبَقِيَ في الجَلِيل.
وبَعْدَمَا صَعِدَ إِخْوَتُهُ إِلى العِيد، صَعِدَ هُوَ أَيْضًا، لا ظَاهِرًا بَلْ في الخَفَاء.
العظة رقم 133
في الواقع، كان العيد يدوم أيّام عدّة، وأراد المخلّص أن يُفهم بأنّه لن يذهب إلى العيد في اليوم الذي قرّره أهله، بل في اليوم الذي اختاره هو بنفسه. لذا، فلنفكّر فيما يلي: "قالَ هذا ولَبِثَ في الجَليل". إذًا، لم يذهب إلى العيد في ذلك اليوم. كان إخوته يريدون أن يكون الأوّل في الذهاب إلى العيد. لذا، قالوا له: "اذهَبْ مِن ههُنا وامضِ إِلى اليَهودِيَّة". هم لم يقولوا له: "فلنذهب من هنا"، وكأنّهم كانوا سيرافقونه. كما لم يقولوا له: "اتبعنا إلى اليهوديّة"، وكأنّهم كانوا يريدون أن يسبقوه. إنّما أرادوا أن يسبقهم الرّب يسوع فحسب. أمّا هو، فكان يريدهم أن يذهبوا قبله إلى هناك. ومن خلال عدم استجابته لرغباتهم، كان ينوي إخفاء ألوهيّته والكشف عن ضعف طبيعته البشريّة، كما فعل عند هروبه من مصر (مت 2: 14). لم يكن هذا دليل عجز من قبله، بل قاعدة حذر وضعتها الحقيقة نفسها. في الواقع، كان الرّب يسوع يريد من خلال هذا المثال أن يعلّم خدّامه ألاّ يقولوا "لن أهرب، سيكون هذا مخزيًا"، في حين يكون الهروب هو الصواب. فقد قال لتلاميذه: "إذا طارَدوكم في مدينةٍ فاهرُبوا إِلى غَيرِها" (مت 10: 23). ثمّ طبّق هذا المثال بنفسه.أُلقِي القبض عليه متى أراد ذلك، وتجسّد متى أراد. لكن كي لا يفكّر إخوته في الإعلان عن وصوله وكي يمنع أن تُنصب له الفِخاخ، قال: "أنا لا أَصعَدُ إلى يوم العيد هذا". "لن أذهب": ليخفي مسيرته؛ "إلى هذا اليوم": لتجنّب الكذب. هكذا، عبّر عن أمر واستبعد آخر وقام بتأجيل أمر ثالث. لكنّه لم يقل أيّ كلام كاذب، لم يتفوّه بأيّ كذبة... انتظر الربّ أن يذهب إخوته أوّلاً. "ولَمَّا صَعِدَ إخوَتُه إلى العيد، صَعِدَ هو أيضاً وكأنّه خُفيَةً لا عَلانِيَةً". لماذا "كأنّه خفية"؟ لأنّ هذا لم يكن فعليًّا خفيةً. لا، هو لم يكن يريد أن يختبئ فعليًّا، لأنّ قرار إلقاء القبض عليه كان مرتبطًا به. من خلال الاختباء بهذه الطريقة، وأكرّر، أراد أن يكون مثالاً لضعف تلاميذه الذين لم تكن لديهم سلطة الهروب حين كانوا لا يريدون أن يتمّ إلقاء القبض عليهم. كما أراد أن يعلّمهم الحذر من فِخاخ أعدائهم.
#شربل سكران بالله