عَادَ الحَرَس، فَقَالَ لَهُمُ الأَحْبَارُ والفَرِّيسِيُّون: «لِمَاذَا لَمْ تَجْلُبُوا يَسُوع؟».
أَجَابَ الحَرَس: «مَا تَكَلَّمَ إِنْسَانٌ يَوْمًا مِثْلَ هذَا الإِنْسَان!».
فَأَجَابَهُمُ الفَرِّيسِيُّون: «أَلَعَلَّكُم أَنْتُم أَيْضًا قَدْ ضُلِّلْتُم؟
وهَلْ آمَنَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَوِ الفَرِّيسيِّين؟
لكِنَّ هذَا الجَمْعَ، الَّذي لا يَعْرِفُ التَّوْرَاة، هُوَ مَلْعُون!».
قَالَ لَهُم نِيقُودِيْمُوس، وَهُوَ أَحَدُهُم، ذَاكَ الَّذي جَاءَ إِلى يَسُوعَ مِنْ قَبْلُ:
«وهَلْ تَدِينُ تَوْرَاتُنَا الإِنْسَانَ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ وتَعْرِفَ مَا يَفْعَل؟».
أَجَابُوا وقَالُوا لَهُ: «أَلَعَلَّكَ أَنْتَ أَيْضًا مِنَ الجَليل؟ إِبْحَثْ وَٱنْظُرْ أَنَّهُ لا يَقُومُ نَبِيٌّ مِنَ الجَلِيل!».
ثُمَّ مَضَى كُلُّ وَاحِدٍ إِلى بَيْتِهِ.
الرسالة العامّة "الغني بالمراحم" (Dives in misericordia)، الأعداد 6-7
إن مثل الابن الشاطر يعرب ببساطة، إنّما بعمق، عن حقيقة الارتداد الذي هو أصدق تعبير عن عمل المحبة والرحمة في المجتمع البشري الحالي. ولا يقوم ما للرحمة من فاعلية أكيدة، صحيحة على توجيه الأبصار، ولو حادة نافذة، رفيقة، إلى شر أدبي أو طبيعي أو جسدي، لأن الرحمة تتجلّى... عندما تقدّر وتشجّع وتستخرج الخير مما على الأرض وفي الإنسان من جميع أنواع الشرور. وهي إذا فُهمت على هذا الوجه، جسّدت ما لرسالة الرّب يسوع المسيحانية من محتوى أساسي ولعملها من قوة وفعالية... إنّ هذه الرسالة ونشاطها بين الناس ينتهيان مع الصليب والقيامة... وإذا كانت، في الواقع، حقيقة الفداء، ببعدها الإنساني، تكشف عن عظمة الإنسان وسموّه ليستحقّ مثل هذا المخلّص العظيم، فإنّ هذا الفداء بما له من بُعد إلهي، يفتح لنا الطريق عينه، إذا جاز التعبير، لنكتشف، بطريقة عمليّة "تاريخيّة" عمق هذه المحبّة التي لا تُحجم عن تضحية الابن الفريدة، إرضاءً لما يكنّه الخالق من أمانة للناس الذين خلقهم على صورته واختارهم "منذ البدء" في المسيح، للنعمة والمجد.إنّ أحداث اليوم السادس من ذلك الأسبوع، وقبلها تلك الصلاة في بستان الجسمانية، أدخلت تغييرًا جوهريًّا على مجرى الكشف عن المحبّة والرحمة في رسالة المسيح المسيحانيّة. إنّ ذاك الذي "مَضى مِن مَكانٍ إِلى آخَر يَعمَلُ الخيرَ ويُبرِئُ جَميعَ الَّذينَ استَولى علَيهم إِبليس... ويَشفِي النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة" (أع 10: 38؛ مت 9: 35)، يبدو الآن هو عينه أنّه يستأهل الرحمة ويلتمسها عندما يُلقى القبض عليه ويُمتهن ويُحكم عليه ويُجلد ويكلّل بالشوك ويعلّق على الصليب بالمسامير ويلفظ أنفاسه الأخيرة في غمرة عذاب أليم. وما أشدّ ما كان في حاجة إذ ذاك إلى رحمة الناس الذين صنع إليهم الخير، ولكنّه لم يلقها منهم؛ لا بل إنّ أقربهم إليه لم يستطيعوا إنقاذه من أيدي ظالميه ليتمّ في المسيح، في هذه المرحلة الأخيرة من المسيرة المسيحانيّة، ما قاله الأنبياء، ولا سيّما إشعيا، في خادم الرّب: "بِجُرحِه شُفينا" (إش53: 5). "ذاكَ الَّذي لم يَعرِفِ الخَطيئَة جَعَله اللهُ خَطيئَةً مِن أَجْلِنا كَيما نَصيرَ فيه بِرَّ الله." (2كور 5: 21)، على ما يقول بولس الرسول؛ وقد أوجز عظمة سرّ الصليب، في الوقت عينه، ما لحقيقة الفداء من بُعد إلهي؛ هذا الفداء الذي كشف، لآخر مرّة وبصورة نهائيّة، عن قداسة الله التي هي بدورها منتهى الكمال المطلق.
#شربل سكران بالله