لَمَّا ٱحْتَشَدَ جَمْعٌ كَثِير، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى يَسُوعَ مِنْ كُلِّ مَدِينَة، خَاطَبَهُم بِمَثَل:
«خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفيمَا هُوَ يَزْرَع، وَقَعَ بَعْضُ الحَبِّ على جَانِبِ الطَّرِيق، فَدَاسَتْهُ الأَقْدَام، وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاء.
وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُطُوبَة.
وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في وَسَطِ الشَّوْك، وَنَبَتَ الشَّوكُ مَعَهُ فَخَنَقَهُ.
وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف. قالَ يَسُوعُ هذَا، وَنَادَى: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْمَعْ!».»
وَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ: «مَا تُراهُ يَعْنِي هذَا المَثَل؟».
فَقَال: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُم أَنْتُم أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرارَ مَلَكُوتِ الله. أَمَّا البَاقُونَ فَأُكلِّمُهُم باِلأَمْثَال، لِكَي يَنْظُرُوا فَلا يُبْصِرُوا، وَيَسْمَعُوا فَلا يَفْهَمُوا.
وَهذَا هُوَ مَعْنَى المَثَل: أَلزَّرْعُ هُوِ كَلِمَةُ الله.
والَّذِينَ عَلى جَانِبِ الطَّريقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُون، ثُمَّ يَأْتي إِبْلِيسُ فَيَنْتَزِعُ الكَلِمَةَ مِنْ قُلوبِهِم، لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا.
والَّذِينَ عَلى الصَّخْرةِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا بِفَرَح؛ هؤُلاءِ لا أَصْلَ لَهُم، فَهُم يُؤْمِنُونَ إِلى حِين، وفي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَتَرَاجَعُون.
والَّذِي وَقَعَ في الشَّوكِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ وَيَمْضُون، فَتَخْنُقُهُمُ الهُمُومُ والغِنَى وَمَلَذَّاتُ الحَيَاة، فَلا يَنْضَجُ لَهُم ثَمَر.
أَمَّا الَّذِي وَقَعَ في الأَرْضِ الجَيِّدَةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ بِقَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ فَيَحْفَظُونَها، وَيَثبُتُونَ فَيُثْمِرُون.
العظة 44 عن إنجيل القدّيس متّى
إن يبس الزرع، فهذا ليس بسبب الحرارة. لم يقل الرّب يسوع إنّه يبس بسبب الحرارة بل لأنّه "لَم يكُن له أَصلٌ" (مت 13: 6). إن اختنقت الكلمة، فالسبب ليس الأشواك بل مَن ترك الأشواك تنمو بحريّة. يمكنك أن تمنع نموّ تلك الأشواك باستخدام الإرادة، كما باستطاعتك أن تستخدم الغنى بشكل مناسب. ولهذا السبب، لم يتحدّث المخلّص عن العالم بل عن "هموم العالم"، ولم يتكلّم عن "الغنى" بل عن "جاذبيّة الغنى". دعونا لا نتّهم الأشياء بحدّ ذاتها بل الفساد المستشري في ضمائرنا. كما ترون، إنّ الخلل لا يكمن في الزارع ولا في الزرع بل في الأرض التي تستقبل الزرع، وهو ما يفسّر كلّ شيء، أي إنّ الخلل يكمن مدى استعداد قلوبنا. ونرى هنا أيضًا عمق طيبة الله تجاه البشر حيث أنّه، بدون أن يفرض ممارسة الفضائل بالقياس نفسه، يستقبل مَن يأتون أوّلاً، ولا ينبذ مَن يأتون ثانيًا ويهيّئ دائمًا مكانًا لمَن يأتون ثالثًا... ولذلك، علينا أن نصغي بانتباهٍ إلى الكلمة ونحفظها بأمانة في ذاكرتنا، ونمتلئ شجاعة لننبذ بعدها الغنى ونتجرّد من حبّ خيرات هذا العالم. فإن كان يسوع يعتبر الإصغاء إلى الكلمة في المقدّمة وقبل غيره من الشروط فهذا لأنّه الشرط الأساسي. إذ "كَيفَ يُؤمِنونَ بِمَن لم يَسمَعوه؟" (رو10: 14). ونحن أيضًا إن لم نتنبّه إلى ما قيل لنا، فلن نعرف ما هي واجباتنا، لنشعر بعدها بشجاعة ونرفض خيرات هذا العالم. دعونا نتقوّى بكلّ الأشكال لنستفيد جيّدًا من هذه الدروس: فلنصغِ إلى الكلمة ونرسّخ جذورنا في الأرض ونتخلّص من كلّ همّ دنيوي.
#شربل سكران بالله