وَصَلَ يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى الضَّفَّةِ الأُخْرَى مِنَ البُحَيْرَة، إِلى بَلَدِ الجِراسِيِّين.
ومَا إِنْ نَزَلَ يَسُوعُ مِنَ السَّفينَةِ حَتَّى لاقَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ القُبُورِ فِيهِ رُوحٌ نَجِس.
كانَ يَسْكُنُ في القُبُور، ومَا كانَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يُكَبِّلَهُ حَتَّى بِسِلْسِلَة.
وكَثيرًا ما كَبَّلُوهُ بِقُيُودٍ وسَلاسِل، فكَانَ يَقْطَعُ السَّلاسِل، ويَكْسِرُ القُيُود، ومَا كانَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَضْبِطَهُ.
وكانَ عَلَى الدَّوَام، لَيْلاً ونَهَارًا، في القُبُورِ وفي الجِبَال، يَصْرُخُ ويُهَشِّمُ جَسَدَهُ بِٱلحِجَارَة.
ورَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ وسَجَدَ لَهُ.
وصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وقَال: «مَا لي ولَكَ يا يَسُوعُ ٱبْنَ اللهِ العَلِيّ؟ أَسْتَحْلِفُكَ بِٱلله! لا تُعَذِّبْني!»؛
لأَنَّ يَسُوعَ كانَ يَقُولُ لَهُ: «أُخْرُجْ مِنَ الرَّجُل، أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِس!».
وسأَلَهُ: «مَا ٱسْمُكَ؟». فقَالَ لَهُ: «إِسْمي فِرْقَة، لأَنَّنَا كَثِيرُون!».
وكانَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لا يَطْرُدَهُم مِنْ ذلِكَ البَلَد.
وكانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبيرٌ مِنَ الخَنَازيرِ يَرْعَى قُرْبَ الجَبَل.
فتَوَسَّلَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ إِلى يَسُوعَ قَائِلَة: «أَرْسِلْنَا إِلى الخَنَازِيرِ فَنَدْخُلَ فِيها!».
وأَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ، ودَخَلَتْ في الخَنَازِير، فَإِذَا بِٱلقَطِيعِ - وعَدَدُهُ نَحْوُ أَلْفَيْن - قَدْ وَثَبَ مِنْ عَلَى المُنْحَدَرِ الوَعْر، وغَرِقَ في البُحَيْرَة.
وهَرَبَ رُعَاةُ الخَنَازِير، وأَذاعُوا الخَبَرَ في المَدِينَةِ والقُرَى، فذَهَبَ النَّاسُ لِيَرَوا ما جَرَى.
فلَمَّا وصَلُوا إِلى يَسُوعَ شَاهَدُوا المَمْسُوس، الَّذي كانَ فِيهِ فِرْقَةُ شيَاطِين، جَالِسًا، لابِسًا، سَلِيمَ العَقْل، فخَافُوا.
والَّذين رَأَوا أَخْبَرُوهُم بِمَا جَرَى لِلْمَمْسُوسِ وَلِلْخَنَازِير،
فبَدَأُوا يَتَوَسَّلُونَ إِلى يَسُوعَ أَنْ يَرْحَلَ عَنْ دِيَارِهِم.
وفِيمَا هُوَ صَاعِدٌ إِلى السَّفينَة، تَوَسَّلَ إِلَيْهِ ذَاكَ الَّذي كانَ مَمْسُوسًا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ.
فلَمْ يَسْمَحْ لَهُ يَسُوع، بَلْ قَالَ لَهُ: «إِذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ، إِلى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُم بِكُلِّ ما صَنَعَ الرَّبُّ إِلَيْك، وَبِرَحْمَتِهِ لَكَ».
فذَهَبَ وبَدَأَ يُنَادي في المُدُنِ العَشْرِ بِكُلِّ مَا صَنَعَ إِلَيْهِ يَسُوع، وكانَ الجَمْيعُ يَتَعَجَّبُون.
المقابلة العامّة بتاريخ 03/12/2008
لا يمكن لأيّ كان إنكار واقع الشر في قلب الإنسان وفي التاريخ البشري. والسؤال هو: كيف يمكننا تفسير هذا الشر؟... يقول الإيمان: هناك سرّين للنور وسرٌّ للّيل، ولكن هذا الأخير تغمره أسرار النور. فَسِرُّ النّور الأول هو التالي: يشرح لنا الإيمان أنّه ليس هناك مبدآن، الخيّر والشرير، إنّما هناك مبدأ ٌواحد، وهو الله الخالق، وهذا المبدأ هو صالح، وصالحٌ فقط، دون أي ظلٍّ من الشّر. وبالتالي فإنّ الكائن نفسه ليس خليطًا من الخير والشر؛ إذ إنّ الإنسان بحد ذاته هو خير، وبالتالي فالوجود هو أمرٌ حسن، إنه لأمرٌ حسنٌ أن نعيش. وهذه هي بشرى الإيمان السارة: هناك منبع واحد وخير، وهو الخالق... ومن ثم يتبع سرُّ الظلام أي سرُّ الليل. فالشر لا يأتي من أصل الكائن بالذات، فهو (أي الشرّ) ليس أصليًّا. إنّ الشر يصدر عن حرية مخلوقة، وهذه الحرّية قد أُسيء استعمالها. كيف يمكن هذا الأمر، كيف حدث؟ يبقى هذا السؤال غامضًا. فالشرُّ ليس منطقيًا. إنّ الله والخير هما منطقيان فقط، وهما النور. أما الشر فيبقى غامضًا... يمكننا أن نخمن، لا أن نشرح؛ ولا يمكننا أن نخبره كواقع إلى جانب واقع آخر، لأنه واقع عميق. يبقى سرًا معتمًا، سر الليل. وهنا يضاف فورًا سرُّ نورٍ آخر. حيث إنّ الشرّ يصدر عن منبع ثانوي. لكن الله ونوره هما أقوى. ولهذا يمكن تخطي الشر. ولذلك فالخليقة والإنسان يمكن شفاؤهما... وأخيرًا، نضيف نقطة الأخيرة، وهي أن الإنسان ليس فقط قابلاً للشفاء، بل أنه نال الشفاء فعلاً. لقد أدخل الله الشفاء. إذ قد دخل هو شخصيًا في التاريخ. وأقام في وجه منبع الشر منبعًا للخير الصافي. إنّ الرّب يسوع المسيح المصلوب والقائم، آدم الجديد، يواجه نهر الشر القذر بنهر من النور. وهذا النهر هو حاضر في التاريخ: نرى القديسين، القديسين العظام، وأيضًا القديسين الوضعاء، المؤمنين البسطاء. نرى أن نهر النور الآتي من الرّب يسوع المسيح هو حاضر وقوي.
#شربل سكران بالله