عَادَ يَسُوعُ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وكانُ الرُّوحُ يَقُودُهُ في البرِّيَّة،
أَربَعِينَ يَومًا، وإِبلِيسُ يُجَرِّبُهُ. ولَمْ يأْكُلْ شَيئًا في تِلْكَ الأَيَّام. ولَمَّا تَمَّتْ جَاع.
فقَالَ لَهُ إِبْلِيس: «إنْ كُنْتَ ٱبنَ اللهِ فَقُلْ لِهذَا الحَجَرِ أَنْ يَصيرَ رَغيفًا».
فأَجَابَهُ يَسُوع: «مَكتُوب: لَيْسَ بِالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَان».
وصَعِدَ بِهِ إِبليسُ إِلى جَبَلٍ عَالٍ، وأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ المَسْكُونَةِ في لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَن،
وقالَ لهُ: «أُعْطِيكَ هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ، ومَجْدَ هذِهِ المَمَالِك، لأَنَّهُ سُلِّمَ إِليَّ، وأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أَشَاء.
فإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ كُلُّه لَكَ».
فأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: «مَكْتُوب: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُد، وإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُد».
وقَادَهُ إِبليسُ إِلى أُورَشَليم، وأَقَامَهُ على جَنَاحِ الهَيْكَل، وقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ فأَلْقِ بنَفْسِكَ مِنْ هُنَا إِلى الأَسْفَل،
لأَنَّهُ مَكْتُوب: يُوصِي مَلائِكتَهُ بِكَ لِيَحْفَظُوك.
ومكْتُوبٌ أَيضًا: على أَيْدِيهِم يَحْمِلُونَكَ، لِئَلاَّ تَصْدِمَ بحَجَرٍ رِجلَكَ».
فأَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيل: لا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلهَكَ ».
ولَمَّا أَتَمَّ إِبليسُ كُلَّ تَجَارِبِهِ، ٱبتَعَدَ عَنْ يَسُوعَ إِلى حِين.
رياضة أعطيت في الفاتيكان سنة 1983
بدخوله البرّيّة دخل الرّب يسوع تاريخ الخلاص لشعبه، شعب الله المختار. بدأ هذا التاريخ بعد الخروج من مصر، بالترحال أربعين سنة في البريّة. تظهر في قلب هذه الأربعين سنة أيام اللقاء مع الله وجهًا لوجه: أربعون يومًا قضاها موسى على قمّة الجبل، في صومٍ مطلق، بعيدًا عن شعبه، في عزلة الغمام، على قمّة الجبل (راجع خر 24: 18). من قلب هذه الأيام تدفّق ينبوع الوحي. نجد مدّة الأربعين يومًا هذه في حياة إيليّا: فبعد أن اضطهده الملك آحاب، سار إيليّا في البرّيّة أربعين يومًا، عائدًا بذلك إلى نبع العهد، إلى صوت الله، من أجل انطلاقة جديدة لتاريخ الخلاص (راجع 1مل 19: 8). دخل الرّب يسوع هذا التاريخ. وعاش ثانية تجارب شعبه، تجارب موسى. فقدّم مثل موسى، تقدمة مقدّسة: أن يُمحى من سفر الحياة ليخلّص شعبَه (راجع خر32: 32). وهكذا أصبح الرّب يسوع حمل الله الّذي سيحمل خطايا العالم؛ أصبح موسى الحقيقيّ الذي هو حقًّا "في حضن الآب" (يو1: 18)، وجهًا لوجه معه، لكي يُظهِرَه. في بَراري العالم، إنّه حقًا نبع الماء الحيّ (راجع يو7: 38)، الذي لا يكتفي بالكلام فحسب، إنّما هو نفسه كلمة الحياة: إنّه الطريق والحق والحياة (يو 14: 6). من على الصليب، أعطانا العهد الجديد. كموسى الحقيقيّ، دخل بقيامته أرض الميعاد التي مُنِعَ موسى من دخولها، وبمفتاح الصليب، فتح لنا بابها.
#شربل سكران بالله