لَمَّا عَبَرَ التَّلامِيْذُ إِلى الضَّفَّةِ الأُخْرَى، نَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا مَعَهُم خُبْزًا.
فَقَالَ لَهُم يَسُوع: «أُنْظُرُوا وَٱحْذَرُوا خَمِيْرَ الفَرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقِيِّين».
فصَارُوا يُفَكِّرُونَ في أَنْفُسِهِم ويَقُولُون: «لَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا خُبْزًا!».
وعَلِمَ يَسُوعُ فَقَال: «يَا قَليلِي الإِيْمَان، لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ في أَنْفُسِكُم أَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْكُم خُبْز؟
أَلا تُدْرِكُونَ حتَّى الآن، أَلا تَتَذَكَّرُونَ الأَرْغِفَةَ الخَمْسَةَ الَّتي أَشْبَعَتِ الآلافَ الخَمْسَة، وكَم قُفَّةً أَخَذْتُم؟
والأَرْغِفَةَ السَّبْعَةَ الَّتي أَشْبَعَتِ الآلافَ الأَرْبَعَة، وكَمْ سَلاًّ أَخَذْتُم؟
كَيْفَ لا تُدرِكُونَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَعْنِي الخُبْزَ بِمَا قُلْتُهُ لَكُم ؟ فَٱحْذَرُوا خَمِيْرَ الفَرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقِيِّين».
حينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذلِكَ لِيُحَذِّرَهُم مِنْ خَمِيْرِ الخُبْز، بَلْ مِنْ تَعْليمِ الفَرِّيسِيِّينَ والصَّدُّوقِيِّين.
صعود جبل الكرمل، الجزء الثّاني، 3
يقول اللاهوتيّون إنّ الإيمان هو عادة في النفس، أكيدة وغامضة في آنٍ معًا. إنّها عادة غامضة لأنّها تقترح علينا حقائق مكشوفة من الله نفسه، حقائق تتخطّى كلّ نور حقيقي وتفوق كلّ فهم بشري. من هنا، يتحوّل هذا النور الفائق الناتج عن الإيمان إلى ظلمة داكنة للنفس. نحن نعرف أنّ القوّة الكبرى تتفوّق على القوّة الصغرى وتهزمها. هكذا، تخفي الشمس الأنوار الأخرى كلّها؛ وحين تسطع هذه الشمس، لا يعود بإمكاننا أن نتكلّم عن أنوار أخرى. كما أنّ سطوعها يفوق قدرتنا البصريّة حين يكون هذا السطوع في أوجه، وبدل أن يجعل قدرتنا البصريّة ترى، يسبّب لها العمى لأنّ هذا السطوع قويّ جدًّا ولا يتناسب مع بصرنا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى نور الإيمان الذي يرهق نور ذكائنا ويهزمه من خلال قوّته الفائقة... إليكم مثالاً آخر: افترضوا أنّ شخصًا وُلد أعمى، وبالتالي لم يرَ الألوان يومًا. إن حاولتم أن تفهموه ما هو الأبيض وما هو الأصفر، مهما أعطيتم من تفسيرات، فإنّ هذا الشخص لن يكتسب أيّ معرفة مباشرة لأنّه لم يشاهد يومًا هذه الألوان؛ ولن يعلق في ذهنه سوى الاسم الذي تعرّف به من خلال السمع. كذلك الأمر بالنسبة إلى الإيمان تجاه النفس. فالإيمان يقول لنا أمورًا لم يسبق لنا أن رأيناها أو تعرّفنا بها، وبالتالي لا يكون لدينا أي معرفة طبيعيّة تجاهها... لكنّنا نعرفها من خلال السمع، من خلال تصديق ما نتعلّمه...، مسبّبين العمى للنور الطبيعي في داخلنا. كما قال القدّيس بولس: "فالإِيمانُ إِذًا مِنَ السَّماع، والسَّماعُ يَكونُ سَماعَ كَلاَمٍ على المسيح" (رو 10: 17). كأنّه كان يقول: الإيمان ليس علمًا نكتسبه من خلال الحواس، بل إنّه قبول النفس بما يدخل من خلال السمع. من الواضح إذًا أنّ الإيمان هو بالنسبة إلى النفس ليلٌ مظلمٌ؛ لكنّه ينيرها بظلمته؛ وكلّما أغرقها في الظلمة، كلّما أنارها بأشعّته. في الواقع، الليل ينير النفس من خلال جَعْلِها عمياء وفقًا لكلام إشعيا: "وأَنتُم إِن لم تُؤمِنوا فلَن تفهموا" (راجع إش 7: 9).
#شربل سكران بالله