قَالَ الرَبُّ يَسُوعُ : «هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا كَمَا أَنَا أَحْبَبْتُكُم.
لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا، وهُوَ أَنْ يَبْذُلَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ في سَبِيلِ أَحِبَّائِهِ.
أَنْتُم أَحِبَّائِي إِنْ تَعْمَلُوا بِمَا أُوصِيكُم بِهِ.
لَسْتُ أَدْعُوكُم بَعْدُ عَبِيدًا، لأَنَّ العَبْدَ لا يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، بَلْ دَعَوْتُكُم أَحِبَّاءَ، لأَنِّي أَعْلَمْتُكُم بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبي.
لَمْ تَخْتَارُونِي أَنْتُم، بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُم، وأَقَمْتُكُم لِتَذْهَبُوا وتَحْمِلُوا ثَمَرًا، ويَدُومَ ثَمَرُكُم، فَيُعطيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا تَطْلُبُونَهُ بِٱسْمِي.
بِهذَا أُوصِيكُم، أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا.
الرسالة العامة "بالرجاء مُخلَّصون" (Spe salvi)، الأعداد 38-39
إنّ مقياس الإنسانيّة يتحدّدُ قبل كلّ شيء في ارتباطه بالألم والمتألِّم. هذا صحيح بالنسبة للفرد والمجتمع. فالمجتمع الذي لا ينجحُ في قبول المتألّمين ولا يُساهمُ بشفقته في تقاسم آلامهم ومشاركتهم بها في أعماقِ قلبه، هو مجتمع قاسي وغير إنسانيّ... إنّ الكلمة اللاتينيّة (con-solatio)، والتي تعني «تعزية»، تُعبِّرُ عن هذه الحقيقة بطريقةٍ رائعة، إذ تتحدّث عن الوجود مع الآخرين في وحدتهم بشكلٍ يجعلها تكفّ عن كونها وحدة. لكنّ القدرة أيضًا على قبول الألم في سبيل الخير والحقيقة والعدل هو مقياسٌ أساسيٌّ من مقاييس الإنسانيّة، لأنّه، إن جعلتُ راحتي وسلامتي الشخصيّة أهمّ من الحقيقة والعدل، يسودُ حينئذٍ سلطانُ الأقوى؛ فيعمُّ العنفُ والكذب... التألّم مع الآخر ومن أجلِه؛ التألّم في سبيلِ الحقيقة والعدل؛ التألّم بسبب المحبّة وكي نتحوَّلَ إلى أشخاصٍ يحبّونَ فعلاً – هذه هي العناصر الأساسيّة للإنسانيّة، التي لو هجرناها نقضي على الإنسان نفسه. وهنا يبرزُ السؤالُ من جديد: هل نحنُ قادرونَ على ذلك؟ ... كان فضلُ الإيمان المسيحيّ في تاريخ البشريّة أنّهُ أثارَ في الإنسانِ بشكلٍ جديدٍ وبعمقٍ جديدٍ القدرةَ على التألّمِ لأجلِ هذه الأمور الحاسمة تجاهَ إنسانيّته. لقد أظهر لنا الإيمانُ المسيحيّ أنّ الحقيقةَ والعدلَ والمحبةَ ليست مجرّد مثاليّات، بل واقع ذو أهميّة عظيمة. لقد أظهر لنا أنّ الله – وهو الحقيقة والمحبّة في شخص – قد أرادَ أن يتألّم لأجلنا ومعنا.
#شربل سكران بالله