سَمِعَ هِيْرُودُسُ رَئِيْسُ الرُّبْعِ بِخَبَرِ يَسُوع،
فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: «هذَا هُوَ يُوحَنَّا المَعْمَدَان! لَقَدْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، ولِذلِكَ تَجْري عَلى يَدِهِ الأَعْمَالُ القَدِيْرَة!».
فَإِنَّ هِيْرُودُسَ كَانَ قَدْ قَبَضَ على يُوحَنَّا، وأَوْثَقَهُ وطَرَحَهُ في السِّجْنِ مِنْ أَجْلِ هِيْرُودِيَّا، ٱمْرَأَةِ أَخِيْهِ فِيْلِبُّس،
لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لَهُ: «لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَها!».
وأَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ، إِنَّمَا خَافَ مِنَ الجَمْعِ الَّذي كَانَ يَعْتَبِرُهُ نَبِيًّا.
وفي ذِكْرَى مَوْلِدِ هِيْرُودُس، رَقَصَتِ ٱبْنَةُ هِيْرُودِيَّا في وَسَطِ الحَفْل، وأَعْجَبَتْ هِيْرُودُس،
فَأَقْسَمَ لَهَا أَنْ يُعْطِيَهَا مَهْمَا تَسْأَل.
وحَرَّضَتْهَا أُمُّها، فَقَالَتْ: «أَعْطِني هُنَا، عَلى طَبَق، رَأْسَ يُوحَنَّا المَعْمَدَان!».
فَٱغْتَمَّ المَلِك. ولكِنْ مِنْ أَجْلِ القَسَمِ والمُتَّكِئِيْنَ أَمَرَ بِأَنْ يُعْطى لَهَا.
فَأَرْسَلَ وقَطَعَ رَأْسَ يُوحَنَّا في السِّجْن.
وحُمِلَ الرَّأْسُ على طَبَق، وأُعْطِيَ لِلصَّبِيَّة، والصَّبِيَّةُ حَمَلَتْهُ إِلى أُمِّهَا.
وجَاءَ تَلامِيْذُ يُوحَنَّا، فَرَفَعُوا جُثْمَانَهُ، ودَفَنُوه. ثُمَّ ذَهَبُوا فَأَخْبَرُوا يَسُوع.
عظات عن إنجيل القدّيس متّى، العظة 48
"أَعطِني هَهُنا عَلى طَبَقٍ رَأسَ يوحَنّا ٱلمَعمَدان"... لقد رأى الله ذلك وسمحَ بحصوله؛ ولم يرسلْ البرق من أعالي السماوات ليقضي على ذلك الوجه الوقح؛ كما لم يأمرْ بأن تنشقَّ الأرض وتبتلعَ المدعوّين إلى ذاك الحفل البغيض. لماذا؟ لكي يُعِدَّ لخادمه انتصارًا أكثر بهاءً، ويترك عزاءًا أكبر لكلّ من كانوا يتبعونه في آلامهم... "لَيسَ في أَولادِ النَّساءِ أَكبَرُ مِن يوحنَّا" (لو 7: 28)، وقد حُكمَ عليه بالموت بناءً على طلب فتاة فاسقة وامرأة تائهة؛ وكلّ ذلك لأنّه دافع عن الشرائع الإلهيّة. فلتكن هذه الأمور كلّها سببًا إضافيًّا كي نتحمّلَ آلامنا بشجاعة كبرى...لكن، فلنلاحظْ اللغة المعتدلة التي اعتمدها القدّيس متّى الإنجيليّ الذي حاول بقدر المستطاع إيجاد الأسباب التخفيفيّة لهذه الجريمة. فيما خصَّ هيرودس، فقد ذكرَ أنّه تصرّف بهذه الطريقة "مِن أَجلِ يَمينِهِ وَمُراعاةً لِجُلَسائِهِ"، وأنّه "قد اغتمّ لذلك"؛ إمّا فيما خصَّ الفتاة، فقد لحظَ أنّ "أمّها لقّتنها ذلك"... ونحن كذلك الأمر، يجب ألاّ نبغضَ الأشرار وألاّ ننتقدَ أخطاء القريبين، بل يجب أن نخبّئها قدر المستطاع، كما علينا أن نتركَ مكانًا لاستقبال المحبّة في قلوبنا. فقد تكلّمَ الإنجيليّ باعتدال تامّ عن تلك المرأة الدمويّة والفاسقة... أمّا أنت، فإنّك لا تنفكّ تعامل قريبك بطريقة شريرة... ويكمن الفرق بين القدّيسين وبيننا في طريقة مقاربتهم للأمور: فهم يحزنون على الخطأة، بدل أن يلعنوهم. فَلنتصرّفْ مثلهم؛ فَلنحزنْ على هيروديّا وعلى كلّ مَن يتصرّف مثلها. وكم من وليمة تشبه وليمة هيروديّا نرى اليوم! فنحن لا نحكم بالموت على يوحنّا المعمدان، بل نمزّق أعضاء الرّب يسوع المسيح.
#شربل سكران بالله