تَراءى الرَّبُّ لِإبِراهيمَ عِنْدَ بَلُّوطِ مَمْرَا، وَهُوَ جَالِسٌ بِبَابِ الْخَيْمَةِ، عِندَ ٱحتِدادّ النَّهَارِ.
فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ، فَإذَا ثَلاثَةُ رِجَالٍ وَاقِفُونَ بِالقُرْب مِنْهِ. فَلَمَّا رآهُم، بادر إلى لِقائِهم مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ الَى الارْضِ.
وَقَالَ: «سَيِّدي، إنْ نِلْتُ حُظوَة فِي عَيْنَيْكَ، فَلا تَجُزْ عن عَبْدَكَ،
فَيُقَدِّم لَكُم قَلِيلٌ من المَاء فَتغْسِلُون ارْجُلَكُمْ وَتستَريحونَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ،
وأُقَدِّم كِسْرَةَ خُبْزٍ فَتُسْنِدُونَ بِها قُلُوبَكُمْ ثُمَّ تَمْضونَ بَعدَ ذلك، فإنكّم لذلك جُزتُم بعَبْدِكُمْ». قَالُوا: «إفْعَلْ كَمَا قُلتَ».
فَاسْرَعَ ابْرَاهِيمُ الَى الْخَيْمَةِ الَى سَارَةَ وَقَالَ: «هَلُمِّي بِثَلاثةِ أصْواعٍ من السَمِيد الناعم فاعْجِنِيها وَٱصْنَعِيها فطائر».
وَبَادَرَ إبْرَاهِيمُ الَى الْبَقَرِ، فَاخَذَ عِجْلا رَخْصا طَيِّبًا وَسلّمَهُ إلى الخادِم فَاسْرَعَ في إِعدادِه.
ثُمَّ اخَذَ لَبَنًا وحَلِيبًا وَالْعِجْلَ الَّذِي أعدّهُ وَجَعَلَ ذلك بَينَ أَيْدِيهم، وَهُوَ وَاقِفٌ بالقُربِ مِنهُم تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فأكَلُوا.
يا إخوَتِي، لا أُرِيدُ، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا حُكَمَاءَ في عُيُونِ أَنْفُسِكُم، وهوَ أَنَّ التَّصَلُّبَ أَصَابَ قِسْمًا مِنْ بَني إِسْرَائِيل، إِلَى أَنْ يُؤْمِنَ الأُمَمُ بِأَكْمَلِهِم.
وهكَذَا يَخْلُصُ جَميعُ بَنِي إِسْرَائِيل، كَمَا هُوَ مَكْتُوب: «مِنْ صِهْيُونَ يَأْتي المُنْقِذ، ويَرُدُّ الكُفْرَ عَنْ يَعْقُوب؛
وهذَا هُوَ عَهْدِي مَعَهُم، حِينَ أُزِيلُ خَطَايَاهُم».
فَهُم مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ أَعْدَاءٌ مِنْ أَجْلِكُم، أَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱخْتِيَارِ الله، فَهُم أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاء؛
لأَنَّ اللهَ لا يَتَرَاجَعُ أَبَدًا عَنْ مَوَاهِبِهِ ودَعْوَتِهِ.
فكَمَا عَصَيْتُمُ اللهَ أَنْتُم في مَا مَضَى، وَرُحِمْتُمُ الآنَ مِنْ جَرَّاءِ عُصْيَانِهِم،
كَذلِكَ هُمُ الآنَ عَصَوا اللهَ مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكُم، لِكَي يُرْحَمُوا الآنَ هُم أَيْضًا؛
لأَنَّ اللهَ قَدْ حَبَسَ جَمِيعَ النَّاسِ في العُصْيَان، لِكَي يَرْحَمَ الجَميع.
فَيَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ ومَعْرِفَتِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الإِدْرَاك، وطُرُقَهُ عَنِ الٱسْتِقصَاء!
فَمَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبّ؟ أَو مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟
أَو مَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا فَيَرُدَّهُ اللهُ إِلَيْه؟
لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ مِنْهُ وَبِهِ وَإِلَيْه. لَهُ المَجْدُ إِلى الدُّهُور. آمين.
#شربل سكران بالله