ولادتها ونشأتها:
ولدت بربارة في أوائل القرن الثالث للميلاد في مدينة “نيقوميدية” ، وكانت الإبنة الوحيدة لوالدها “ديوسقورس” الوثني المتعصب الذي اشتهر في قومه بالغنى الفاحش، والجاه، وقساوة القلب، وبكرهه للمسيحية. أما وحيدته بربارة فكانت دمثة الأخلاق، لطيفة ومتواضعة، تحب الناس كافة. ماتت والدتها وهي صغيرة، فأقام والدها حرسا على بربارة لتبقى في القصر المنيف من شدة خوفه عليها، كما جلب لها أساتذة بارعين ليعلموها شتى أنواع العلوم اللغوية والفلسفية والتاريخية لتنشأ كسائر فتيات الأغنياء في عصرها، كما ملىء والدها جوانب القصر أصناما لشتى الآلهة التي كان يعبدها لتتمثل به وحيدته بالسجود والعبادة.
تنصرها:
نالت بربارة ثقافة دنيوية عالية، لكنها كانت تشعر بفراغ كبير في عقلها وقلبها، وكان بين خدمها بعض المسيحيين فاستفسرت منهم عن إلههم الذي لايسكن في الحجارة فشرحوا لها أصول الدين المسيحي وأشاروا عليها مراسلة العلامة “أوريجانس” استاذ مدرسة الإسكندرية الكبير، الذي بإمكانه ان يبسِّط أمام أمثالها من المثقفين حقائق الدين . كتبت بربارة الى وريجانس بما يدور في رأسها من أفكار دينية فلسفية. وطلبت اليه أن يتنازل ليكون معلما لها، فابتهج أورجانس بذلك وأجابها على رسالتها موضحا حقائق الإيمان المسيحي، وأرسل لها كتابا بيد تلميذه “فالنتيانس” الذي أوصاه أن يشرح لبربارة تعاليم الرب يسوع . ولما قرأت بربارة رسالته امتلأت من الروح القدس، وبشجاعة فائقة أدخلت “فالنتيانس” الى قصرها ليكون أحد أساتذتها فلقنها أصول الإيمان المسيحي، وشرح لها عقيدة التجسد الإلهي، وبتولية العذراء مريم والدة الإله. وبعد أن تعمقت بأصول الدين طلبت أن تنال نعملة العماد، فعمدها الأب “فالنتيانس”، وكرست نفسها للرب يسوع، وكانت تواظب على الصلاة والتأمل بسيرة الفادي سواد ليلها، وبياض نهارها، وازداد احتقارها للأصنام التي ملىء أبوها القصر فيها.
رفضها الزواج بوثني:
طلب يد بربارة أحد أبناء النبلاء من الوثنيين في “نيقوميدية”، ففاتحها أبوها بذلك فرفضت الإقتران به، محتجة برغبتها في البقاء الى جانب أبيها وصعوبة فراقه والإبتعاد عنه . فقرر أبوها أن يعودها البقاء دونه فسافر الى مدينة أخرى بضعة أيام.
تحطيمها الأصنام وتقديسها الثالوث:
وانتهزت بربارة فرصة غياب أبيها عن القصر فأكثرت في الصيام والصلاة والتأمل، بالكتب المقدسة وسيرة القديسين، كما حطمت أصنام أبيها الكثيرة المنتشرة في جوانب القصر، وكان أبوها قد أمر أن يشيد لها حمام خاص في القصر، ويفتح فيه شباكان ففي غيابه أمرت البنائين أن يفتحوا شباكا ثالثا كي يكون عدد الشبابيك الذي يدخل خلالها النور على عدد الثالوث الأقدس.
ظهور السيد المسيح لها:
وظهر لها الرب يسوع بهيئة طفل صغي جميل جدا، فسرت بذلك لحظات من الزمن وانقلب سرورها حزنا عميقا، لما تغير هيئة الطفل الإلهي، إذ تخضب جسمه بالدم فتذكرت الفادي وتحمله الآلام والصلب في سبيل فداء البشرية . وكانت الملائكة تظهر لها وتعزيها وتشجعها، وهكذا عاشت بربارة السماء وهي على الأرض وزشابهت الملائكة طهرا ونقاء.
معرفة أبيها بتنصرها:
عندما عاد “ديوسقوروس” أبيها من رحلته ووجد إن ابنته بربارة قد حطمت أصنامه هاج كالوحش الكاسر وأوشك في ثورة غضبه أن يقضي عليها ضربا وتجريحا ولكنها هربت من أمام وجهه، وبعد أيام فاتحها ثانية بأمر تزويجها من شاب وثني، فرفضت معلنة له بأنها قد وهبت نفسها للرب يسوع، فخر عن طوره وكاد أن يفتك بها معتبرا كلامها إهانة له ولدينه الوثني، وحاول أن يوضح لها أنها إذا بقيت على هذه الحال سوف يفقد مركزه المرموق في الدولة، وإذا بقيت مسيحية فسوف يغسل عاره بسفك دمها بيده، هنا لبت منه بربارة أن يستمع لها ولو مرة واحدة فشرحت له بطلان عبادة الأوثان فغضب والده من لامها وشكاها الى حاكم المدينة.
اعترافها بالمسيح جهرا:
بناء على شكوى والدها استدعاها الحاكم ليحاكمها أمام الجمهور وحاول إغرائها بالوعود الذهبية اذا تراجعت عن ايمانها بالمسيح، لكنه باء بالفشل عندما أظهرت احتقارها لكل ما في العالم من مال وسلطة، وافتخارها بالمسيح يسوع، فأمر الحاكم بتكبيل بربارة، ثم عروها من ثيابها وجلدوها بسياط مسننة كالسكاكين، فتمزق جسدها وهي صابرة لا تشتكي، بل تمجد المسيح وتسأله أن يمنحها القوة لتعترف به أمام المحكمة . ثم أمر الحاكم في اليوم التالي بإستجوابها أمام الناس الذين تعجبوا جدا إذ رؤوا جسمها خاليا من آثار السياط . وحاول الحاكم ثانية إغرائها وإذ لم تؤثر فيها وعوده ووعيده أمر بتهميش ساقيها بأمشاط من حديد، وحرقوها بمشاعل موقودة، وأكثروا من الضرب على رأسها وقطعوا ثدييها، ثم ملحوا جسدها المثخن بالجروح وكل هذا حدث وهي تسبح الله وتعترف بإيمانها بيسوع.
مواصلة جهاد بربارة وتحملها العذاب:
أعادوا بربارة الى سجنها المظلم وفي اليوم الثاني قادوها أمام الحاكم وكم كانت دهشة اناس عظيمة إذ رؤوها بكامل صحتها، ونسب الوالي شفاءها الى آلهته . فقال لها:” أنظري كيف استطاعت الآلهة أن تحميك” فأجابت بربارة: “لو كان لأصنامك حياة لأستطاعت أن تحمي نفسها في اليوم الذي حطمتها في قصر أبي، الإله الحي هو الذي ضمد جروحي “. فاستشاط الحاكم غضبا وطلب من جنوده أن يقطعوا رأس بربارة بعد جرها في الشوارع عارية، فسترها الله بضياء سماوي.
استشهادها بيد أبيها:
وطلب أبوها من الحاكم أن يأذن له بقطع رأسها بيده فسمح له بذلك، فقادها أبوها الى خارج المدينة وهو يزبد، وعندما وصل الى قمة الهضبة جثت بربارة على الأرض وضمت يديها الى صدرها على شكل صليب وحنت هامتها، فتناول أبوها الفأس وهوى به على رقبتها وقطعها. وكان ذلك في السنة 235 ميلادية.
#شربل سكران بألله