شهد كلود مسوح :
سنة ٢٠٠٢، في فترة دراستي في فرنسا، وأنا أشتغل داخل مختبر الجامعة، أحسست بوجع مؤلم في عيني.
ذهبت فوراً إلى المستشفى، عالجني الطبيب هناك، وعدت بعدها إلى البيت، وكان في محفظتي قنينة ماء من بيت مار شربل- بقاعكفرا، فتحتها ودهنت عيني بثقة كاملة بأنّي لن أتعرّض لسوء، تحسّنت حالتي في اليوم الثاني والثالث، قلت هذا التحسّن من الدواء، وخاصّة أنّي لم أكن بعد أعلم سبب مشكلة عيني.
وبعد أسبوع، عندما لمست التحسّن، وبدأت عيناي بالتفتّح، عدت أكرّر عملي في مختبر الجامعة.
وبعد ٤ ساعات من العمل، بدأت بإطفاء الآلات والمصابيح الكهربائيّة، فدخل الدكتور وقال لي: كلود، لا تنسى إطفاء مصباح أشعّة الفوق بنفسجيّة (ultra-violet) قلت له : أين هو؟ فما أخبرني أحداً به؟ فإذا به يشير إلى المكان الذي أعمل فيه، وما تبيّن لي فيما بعد، أنّ هذه الأشعّة كانت تستعمل لقتل الميكروبات، صدمت حين قال لي ذلك وبدأت بالبكاء، وتضايقت جدّا وبالوقت نفسه لا أعلم!
كان في داخلي شعور يُلمسني أنّ لا تعطي ذلك من أهمّيّة.
خلعت الثوب الأبيض، وأخبرت الدكتور بما جرى! فجنّ جنونه، إذ كيف عملت ٤ ساعات تحت الأشعّة الفوق بنفسجيّة؟!
طلبت تاكسي، ودخلت المستشفى، وواجهت الطبيب نفسه، وقلت له : تعرضت إلى نفس الألم في عيني، وأضفت على ذلك معلومتي الجديدة : ٤ ساعات تحت الأشعّة الفوق بنفسجيّة.
لم يصدّق في البدء، فأعطاني لكل عين كيس من المصل، وكنت أنا أعلم خطورة الوضع - فعندما نشاهد كسوف الشمس لثوانٍ نتعرّض للعمى، فكيف ٤ ساعات!- وعاد الطبيب وطلب لي فحص لشبكة العين.
دخلت غرفة الفحص، ووضعت ذقني على الآلة لينظر هو داخل العين.
في هذه الفترة كان الطبيب يهزّ برأسه ويعضّ شفته!
سألته أوّلا فلم يجب!
ألحّيت، فسألني هو :
كيف أتيت إلى هنا!؟
أجبته : لوحدي، وأضفت: يمكنك أن تتكلّم ما تريد فأنا لا أخاف! وأتقبّل كل شيء.
فقال لي : أكيد أنت لم تأتِ لوحدك إلى هنا!
لأنّك لا تبصر!
قلت له : كيف!؟
أنا أبصر!
أجاب : يوجد بقع سوداء على شبكة العين، وخلايا الشبكة محترقة!
في تلك اللحظة لم يكن أمامي أيّ شيء سوى البكاء وبشكل غريب!
لم أعلم لماذا هطلت دموعي!
أردف الطبيب: إذا بقيت تبصر، راجعني بعد يومين. ذهبت إلى البيت مع الأدوية نفسها، وإستعملت المياه نفسها، لأنّي علمت أنّها هي الدواء وليس شيء آخر.
بعد أسبوع عدت إلى لبنان، وذهبت فوراً إلى طبيب عيون لفحص نظري : فقال جيّداً، أصرّيت ليفحص لي الشبكة قال : جيّدة جدّا.
وأردف يقول : لا لزوم لهذا الفحص كلّه!
زرت شربل وشكرته، وبدأت حياتي بالتغيير، صرت أصلّي ومن قلبي، وكانت صلاتي من قبل بالشفاه، ولمست أنّ لحظة صلاة قلب مع الله، أفضل من كلّ ما صلّيته بشفتي وعقلي في مكان آخر!
وصرت إذا تركت ليلة بدون صلاة، أشعر بنقص في الفرح، حتّى ولو كنت في أسعد أيّام حياتي أتقبّل التهاني بنجاحاتي!
عندما حصل لي هذا التغيير أحسست أنّ الحياة تافهة، وليس مطلوب منّا فقط سوى أن نحلّي حياتنا بحضور الربّ فيها.
وهو الذي قال : أنا واقف على الباب أقرع، ممكن أن نفتح له ونستطيع أن لا نفتح له، الحريّة عندنا شيء مهم للغاية.
وغالباً نحن يهمّنا الأمور الماديّة، وأنا الآن أراها تافهة.
أصبحت الآن أعلم أنّ ملاكي الحارس هو المسيح، ويظهر لنا من خلال قدّيسيه، وصرت أعتبر مار شربل أكثر من رفيق وصديق وأب، بكل الحالات موجود معي.
صرت أشعر بمسؤوليّة تجاه نعمة الشفاء التي نلتها، فالمفروض عليّ أن أخبر الناس ما صنع الربّ إليّ والناس يتأثرون جدّا بعظائم الله.
فمنذما حدثت معي هذه الأعجوبة ما تعبت من روايتها ولا تعب الناس من السماع، فوجود الله في حياتنا أمر عظيم!
وصرت أتردّد إلى عنّايا، ومرّة إشترى صاحبي سيّارة وأراد أن يزوّرها مار شربل، وكنّا سائرين حول نصف الليل، إنزلقت فينا السيّارة عند منعطف صعب، فإصطدم بطنها بصخرة كبيرة، كما نشاهد في الأفلام، وإنقلبت عدّة مرّات.
خرجنا من السيّارة سالمين، نفضنا الغبار فقط، هو خرج من بابي وأنا خرجت من بابه، دون أن نعرف كيف!
لم يتحطّم أيّ زجاج في السيّارة رغم عنف الحادث!
وقفنا مدوهشين أمام هذا المشهد.
أنا شكرت عناية الله على نجاتنا، بينما صديقي قال : آخ راحت السيّارة!
أمّا صديقي الآن فبدأ يشعر بعناية الله بعد تفكير وتأمّل بما حدث وكيف نجا من الموت.
شكر للّه أبينا على كل شيء.
{شربليات}