هو يوسف بن جرجس كسَّاب ومريم رعد، من قرية حردين – أعالي البترون؛ وهو الرابع في عائلةٍ مؤلَّفةٍ من خمسة شبَّان: عسَّاف، الياس (الحبيس أليشاع)، طانيوس، يوسف (القدِّيس نعمة الله)، ويعقوب، ومن فتاتَين : مْسِيحيَّة ومريم. أَبصر النور في شهر آذار سنة 1808. نشأ في بيئةٍ جبليَّةٍ زراعيَّةٍ وترعرع في "بلدةِ الثلاثين ديرًا وكنيسة"، في هذا الجوِّ العابقِ بالتقوى والفضيلةِ والصدقِ ومخافةِ الربِّ. تَعَلَّم في مدرسة القرية ثمَّ انتقل الى بيت جدِّه الخوري يوسف رعد في تنُّورين، سنة 1816، وبقي هناك حتَّى سنة 1822، حيث تلقَّن علومَه الابتدائيَّة، في مدرسة دير مار أنطونيوس حوب – تنُّورين، التابع للرهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيَّة
ثمَّ عاد إلى قريته مساعدًا والده في زراعة الأرض ورعاية الماشية، ومواظبًا على الصلاة في الكنائس والمحابس، حتَّى بلوغه العشرين من العمر، حين سمع صوت الربِّ في أعماقه يُناديه إلى دخول الدير. دخل يوسف الإبتداء في الرهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيَّة، في دير مار أنطونيوس الكبير – قزحيَّا في 1/11/1828.
لبس ثوب الابتداء من يد رئيس الدير الأب مكاريوس الشحروري، متَّخِذًا إسم الأخ نعمة الله، وهناك تعلَّم صناعة تجليد الكتب والخياطة، في حين كان شقيقه الأب أليشاع يختبر دعوته الى التنسُّك في إحدى محابس الدير. أبرز نذوره الرهبانيَّة في 14 تشرين الثاني 1830. تابع الأخ نعمة الله دروسه الفلسفيَّة واللاهوتيَّة في مدرسة الرهبانيَّة في دير مار قبريانوس ويوستينا – كفيفان، بين سنة 1830 و1835. خلال فترة دراسته اللاهوتيَّة، قضى وقتًا للراحة في دير مار موسى الدوَّار. سِيمَ كاهنًا في دير كفيفان بوضع يد المطران سمعان زوين بتاريخ 25 كانون الأوَّل 1835
بين سنة 1835 و1838، كان راهبًا في دير كفيفان يُؤمِّن التعليم للأولاد، ويساعد في خدمة الرعايا المجاورة. بين سنة 1838 و1845 ، عُيِّن مديرًا للإخوة الدارسين في دير كفيفان.
عيَّنه الكرسيُّ الرسوليُّ مدبِّرًا عامًّا للرهبانيَّة على ثلاث مراحل: (1845- 1847؛ 1850- 1853؛ 1856- 1858)، وكان مركز الرئاسة العامَّة آنذاك في دير سيِّدة طاميش. سنة 1848 عُيِّن وكيلاً لدير مار مارون - عنَّايا. سنة 1849 نجده معلِّمًا في مدرسة مار ميخائيل بحرصاف. بين سنة 1853 و1856 مكث الأب نعمة الله في دير كفيفان، متابعًا تعليم اللاهوت الأدبيِّ للإخوة الدارسين، ومن بينهم الأخ شربل مخلوف (القدِّيس شربل) من بقاعكفرا. وفي 4 كانون الأوَّل 1858، أصيب الأب نعمةالله بمرض ذات الجنب، بسبب الريح الشماليَّة، وكان وقتئذٍ في دير كفيفان، فتوفِّي في 14/ 12/ 1858، ودُفن في دير كفيفان
"هَيْك هيِّي الرهبانيَّة. وهَيْك كانت. وهَيْك بتضلّ. والشَّاطِرْ بيخَلِّص نَفسُو". تقدَّس الأب نعمةالله من خلال عيشه الحياة الديريَّة المشتركة، حتَّى سُمِّي "الراهب القانونيّ" بل "القانون الرهبانيّ الحيّ".
إضافةً إلى سهره وسجوده الدائم والطويل أمام القربان الأقدس في الكنيسة، كان الكتاب المقدَّس وكتاب أمجاد مريم للقدِّيس ألفونس دي ليكوري رفيقَيه الدائمَين. عُرِفَ بوداعته، لا يقبل التكريم ولا الوظائف إلاَّ بأمرِ الطاعة، كما أنَّه تَهرَّب من تسلُّم الرئاسة العامَّة، وآثر المرؤوسيَّة على الرئاسة بقوله: "إنِّي أسألُ الله ألاَّ أموتَ وأنا حاصلٌ على وظيفة". مارس النسكَ والزهدَ والتقشُّفَ في المأكل والملبس والنوم، والانقطاعَ عن كلِّ ميلٍ ورغبةٍ، والصلواتِ الدائمة، والصبرَ والتواضع، وتحمُّلَ أعباء المسؤوليَّة الإداريَّة، والمواظبةَ على العلم والتعليم، وكَسْرَ الإرادة واحتمالَ ضعف الضعفاء، فكان قلبه مشدودًا دائمًا إلى الكنز السماويّ، في نور وجه المسيح وبهائه. "أحبَّ البتول الكلِّيَّة القداسة حُبًّا بنويًّا، بل كان هائمًا بهذا الحبّ، مُغرَمًا به.
ولذلك كان اسمها المبارك على شفتَيه بلا انقطاع، يستغيثُ بشفاعتها ليلاً ونهارًا، ويشخص إلى صورها المقدَّسة، ويتنفَّس الصعداء كأنَّه يريد أن يخرج من سجن الجسد ليتمتَّع برؤيتها في دار الخلود. وكان، كلَّما دخل قلاَّيَته أو خرج منها، يسجد أمام إيقونتها، ويحيِّيها بسلام الملاك
وكان يُكرِّمُ، بنوع خاصٍّ، سرَّ الحبل بها البريء من الدنس، وذلك حتَّى قبل تثبيت الكنيسة لهذه العقيدة.
أطلق عليه معاصروه إسم "قدِّيس كفيفان"، نظرًا إلى سموِّ فضائله، فكانوا إذا أرادوا تبيان فضيلة أحدهم، يقولون: "هو مثل الحرديني" أو "فلان حَرْدَن" أي اقتدى بالحردينيّ القدِّيس. مارس التعليم فكان يعظ بمَثَلِه الصالح أكثر منه بكلامه، وبقي ملازمًا فنَّ تجليد الكتب والخياطة طوال حياته.
وحدث في الليلة التي دُفن فيها أن انبعث من القبر نورٌ ساطعٌ مشعٌّ، فتقاطر المؤمنون إلى قبره من كلِّ صوبٍ طالبين النِّعم والبركات. قُدِّمت دعوى تطويبه إلى الكرسيِّ الرسوليِّ في روما في 14 أيَّار سنة 1926. صدَّق البابا يوحنَّا بولس الثاني على فضائله البطوليَّة، في 7 أيلول 1989، فأعلنه مكرَّمًا.
ثمَّ أعلنه طوباويًّا في 10 أيَّار 1998، بعد تثبيت أعجوبة شفاء الشابّ أندره نجم، من مرضه السرطانيّ. وأُعلن قدِّيسًا للكنيسة الجامعة في 16 أيَّار 2004، بعد تثبيت أعجوبة شفاء السيِّدة روز سعد من العمى. تحتفل الكنيسة المارونيَّة بعيده في 14 كانون الأوَّل.
#Saintcharbel22
#شربل سكران بألله