ولد ايرونيموس سنة 340 في مدينة سيريدو من اسرة تقية غنية. وبعد ان اكمل دروسه الابتدائية في وطنه ارسله ابوه الى روما، ليكمل ثقافته على اشهر اساتذتها، فبرع في الفصاحة والبيان واولع بكتابات علماء اليونان والرومان بعد ان اتقن اللغتين اليونانية واللاتينية، واستهوته خطب شيشرون واشعار فيرجيل. واستسلم لاهواء الشباب، لِما كان يراه في روما من الملاهي والمغريات، لكنه رجع الى نفسه، ذاكراً تربيته الاولى المسيحية.
وانكب على درس الكتب المقدسة. واخذ يتردد الى مدافن الشهداء، معجباً بإقدامهم على إراقة دمائهم لاجل ايمانهم.
ثم زهد في الدنيا وذهب الى برية تريفا، حيث انصرف للعبادة ودرس اللاهوت ثم عاد الى وطنه واقام سبع سنوات في اكيلة، ملازماً العبادة والمطالعة والكتابة. ولاسباب عائلية هجر وطنه وقصد الى الشرق، ماراً ببلاد اليونان وآسيا، ووصل الى انطاكية.
ثم انحاز الى برية" خلقيس" شرقي انطاكية، منعكفاً على مطالعة الكتاب المقدس وممارسة التأمل والصلاة والتقشفات. وبعد خمس سنوات، عاد الى انطاكية. فألح عليه البطريك بولينس بقبول درجة الكهنوت، فقبلها، مشترطاً ان يبقى حراً، متفرغاً للدرس وللكتابة.
ثم مضى الى القسطنطينية حيث اخذ عن القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، اسمى التعاليم اللاهوتية وحضر المجمع المسكوني الثاني والقسطنطيني الاول سنة 381 ضد مكدونيوس عدو الروح القدس. فلمع في ذلك المجمع الذي كان مسجِّلاً فيه. وكان قد اتقن ما عدا اللغتين اليونانية واللاتينية، العبرانية والكلدانية وبرع فيهما بغية اكتناه معاني الاسفار المقدسة.
فاستدعاه البابا داماسيوس واقامه كاتباً له وعهد اليه توحيد تراجم الكتاب المقدس اللاتينية ووضع ترجمة واحدة اساسية يعول عليها. فباشر بعمله هذا الخطير الذي كرس له حياته. وفوق ذلك كان يتعاطى الوعظ ويرشد النفوس في طريق الخلاص. وبعد وفاة البابا داماسيوس سنة 384، توجهت الانظار الى انتخاب ايرونيموس خلفاً له.
ولكنه حمل مكتبته الضخمة وسار مع اخيه وبعض الرهبان الى فلسطين. حيث استوطن نهائياً بيت لحم. واقام في دير للرجال، صارفاً اوقاته بالصلوات والتقشفات الصارمة، منعكفاً على التآليف والبحث عن الاماكن المقدسة وعما تنصه الكتب عنها. وهناك أكمل ترجمة الكتاب المقدس الى اللاتينية. وهي الترجمة التي اعتمدتها الكنيسة المقدسة واقرها المجمع التريدتنيني، وتدعى بالفولغاتا " اي العامية".
ولم يكن لينفك عن مقاومة المبتدعين والدفاع عن المعتقد الكاثوليكي القويم بلسانه وقلمه، واضعاً التآليف القيمة التي اغنى بها الكنيسة. واصبح من كبار علمائها. وبعد ذلك الجهاد المجيد رقد بالرب في 30 أيلول سنة 420 عن ثمانين عاماً. ونقلت رفاته الثمينة الى كنيسة مريم الكبرى في روما، حيث لم تزل ينبوع نعم وبركات. صلاته معنا. آمين!
#شربل سكران بألله