ولد ايلاريون في بلدة تدعى طاباتا، بالقرب من غزَّة، من والدين وثنيَّين غنيين. فأرسله ابوه الى الاسكندرية لاقتباس العلوم، فنبغ في دروسه. واخذ يجالس العلماء، وجلَّهم من مسيحيين. فدرس عليهم العقائد المسيحية، فراقت له بما فيها من سموٍ وترفعٍ عن حطام الدنيا. فآمن بالمسيح واعتمد. ثم زهد في خيور الارض وعكف على الصلاة والتأمل.
وما سمع بالقديس انطونيوس الكبير حتى سار اليه في البرية. فأقام عنده زماناً يسترشده ويتمرَّس على الحياة النسكية. وبعد ان تزوَّد نصائحه ولبس الاسكيم من يده، عاد الى وطنه في فلسطين.
ثم ترك كل شيء وانحاز الى القفر بالقرب من مايوما وسكن منسكاً هناك، واخذ يمارس اقسى التقشفات كالاصوام ولبس المسح والتأمل وعمل السلال ونقب الارض.
دخل عليه اللصوص، يوماً، وهو راكع يصلي في مغارته، فقالوا له: ألا تخاف من اللصوص؟ فأجاب: مَن لم يملك شيئاً لا يخاف احداً. فقالوا: ألا تخشى الموت؟ فقال:" كيف أخشاهُ وانا استعد له في كل ساعة؟". فأثَّر فيهم كلامه وتخشعوا من منظره. وانصرفوا، عازمين على اصلاح سيرتهم بالتوبة.
فطارت شهرة قداسته، فأتاه الكثيرون يرغبون في السير على طريقته، فقبلهم وأنشأ لهم الديورة وتولَّى ارشادهم بنفسه، فأجرى الله على يده أيات عديدة. منها شفاء ثلاثة بنين لامرأة البيردوس رئيس الحرس الملكي، كانوا اشرفوا على الموت.
ولما تضايق من ازدحام الناس عليه، ترك فلسطين وذهب مع تلميذٍ له يدعى ايزيكُس، الى صقلية في ايطاليا، ومنها جاء الى قبرس، مثابراً على طريقته النسكية، وقد بلغ الثمانين عاماً من العمر. فعرف بدنو أجله وخاف من الدينونة الرهيبة، لكنه تشدد بالايمان والرجاء بالله، مردِّداً هذه الصلاة:" أخرجي ايتها النفس الى ملاقاة ربك، لماذا تخافين، وقد جاهدتِ في خدمته السنين الطوال"؟ وبهذه المناجاة رقد بالرب سنة 372.
وترك تلميذه ايزيكس كتاب الانجيل والاسكيم الجلدي الذي وهبه اياه القديس انطونيوس. فجاء تلميذه بجثمانه الطاهر الى فلسطين، حيث استقبله الرهبان بمظاهر الحفاوة والاحترام ودفنوه في ديره القديم. وكان ضريحه ينبوع نعم وبركات. صلاته معنا. آمين.
#شربل سكران بألله