ولد في مصر العليا نحو سنة 301 من والدين فقيرين مسيحيين. ويلقَّب بالكبير تمييزاً له عن معاصره مكاريوس الاسكندري. كان معجباً بحياة القديس انطونيوس الكبير، تواقاً الى اتّباع طريقته النسكّية. فتتلمَذَ له ولازمه في آخر حياته وخلفه بعد مماته في تدبير النسّاك. قضى حياته بالأصوام والتقشفات الصارمة وممارسة الصلوات الدائمة والتأملات، وخاصّة في آلام المسيح. لا يأكل الاّ الحشائش وقليلاً من الخبز والماء.
فاشتهرت قداسته وتتلمذ له كثيرون من الشبان حتى بلغ عددهم الألف. وقد تحمل من المصائب والتهم الكاذبة ما دلّ على فضيلته الراسخة وصبره العجيب وتواضعه العميق. وقد اتُّهِمَ بالزنى. وأُهِينَ وضُرِب وهو صابر ولم يبّرئ نفسه. إِلاّ أنّ الله برّأه وأشهرَ قداسته لدى الناس، فكانوا يحترمونه ويكّرمونه. ولشدة تواضعه، هرب الى البرية متوغلاً فيها. وكان لا ينفكّ عن تلاوة الصلاة والأسهار الطويلة، لا ينام إِلاّ قليلاً، مستنداً الى الحائط... وقد ارتسم مكاريوس كاهناً سنة 340 ليقوم بتقدمة الذبيحة الالهيّة للرهبان. منحه الله موهبة صنع العجائب ولا سيما طرد الشياطين.
وكان البدعة الاريوسية قد تفشّت في الكنيسة وأقلقتها وقسمتها، وضعضعت صفوفها في تلك الأيام. فقام هو ومكاريوس الاسكندري الذي عاش معه ثلاث سنوات، يكافحانها بكلّ جرأة وغيرة، ويشجّعان رهبانهما على مقاومتها، ويثبّتان الناس في الايمان القويم. ولذلك قام عليهما لوشيوس بطريرك الاسكندرية الاريوسي وطلب من الملك فالنس زعيم الأريوسيّة، فأمر بنفيهما الى جزيرة قريبة من مصر. فكانا متفاهميَن صابرَين مثابرين على أعمال البرّ والقداسة، حتى ردّا أهل تلك الجزيرة الى الايمان بالمسيح.
فناصرهما الشهب الاسكندري وأجبر البطريرك المذكور على إرجاعهما الى اديرتهما. فعادا يواصلان جهادهما في ادارة شؤون رهبانهما وجماعة المؤمنين، بأمثلتهما المُعمِرّة ونصائحهما الرشيدة، الى أن رقدا بالرب بشيخوخة صالحة في عمر90 سنة. توفي مكاريوس الاسكندري نحو سنة 395. وتوفي مكاريوس الصليبي سنة 391. ويُلقَّب أيضاً بالصليبي لأنه كان يصلّي باسطاً يديه بشكل صليب ومات ودُفن كذلك.
وقد ترك تآليف عديدة في قوانين الرهبان والسيّاح، كلّها حكم ونصائح كثيرة مفيدة. وقد أخذت الرهبانيات عنها قوانين كثيرة. وكان القديس انطونيوس يحبّهما ويجلّهما كثيراً. والكنيسة تكّرمهما شرقاً وغرباً. صلاتهما معنا. آمين.
#شربل سكران بألله