ولد هذا البار في روما نحو سنة 354، من أبوين عريقين في الحسب والنسب.فتربى تربية عالية ونبغ في العلوم حتى أضحى من كبار علماء عصره، ونحو السنة 382، استدعاه الملك تاودوسيوس الكبير الى القسطنطينية، ليكون استاذاً ومهذباً لولديه اركاديوس وهنوريوس. فعظمت منزلته لدى الملك حتى منحه لقب "أبي المملكة والبطريق الشريف" وجعله مستشاراً في مجلس الاعيان.
كان ارسانيوس في تلك العاصمة عزيز الجانب موفور الكرامة تبسم له الدنيا بكل ما فيها من مسرات وامجاد وغنى، لكنها لم تكن لتملأ قلبه الكبير وعقله الثاقب، بل كان يعد كل ذلك كلا شيء ويفكر في الاسمى الدائم. فأخذ يتضرع الى الله ليلهمه ما يريده منه في هذه الحياة، فسمع صوتاً يقول له:" يا ارسانيوس، أهرب من معاشرة الناس فتخلص". فترك كل شيء وسافر الى الاسكندرية ومن هناك ذهب الى برية الاسقيط وله من العمر اربعون سنة. فوصل الى المناسك وطلب من الرهبان أن يقبلوه بينهم، دون أن يعلمهم من هو، بل قال انه رجل غريب يقصد خلاص نفسه. وبعد ان امتحنوه وجدوه راسخاً في الفضيلة. ولما وقفوا على سره، تهيَّبوه.
فأذن له الرئيس بالانفراد وحده لممارسة اعماله الروحية بحسب الطريقة التي يريدها. ولم يكن يخرج من قليته الا لضرورة ماسة. ليكون منصرفاً الى التأمل والاتحاد بالله، بمعزل عن كل محسوس، يمارس الاصوام وعمل اليد ويحيي الليالي بالصلاة والتأمل في كلمات الله. وبقوة الصلاة كان ينتصر على تجارب الشيطان. ولما دنت ساعة وفاته، رآه تلاميذه يبكي فقالوا له:" لِمَ تبكي يا ابانا اتخاف الموت بعد حياتك هذه الملائيكية؟"_ فأجابهم:" ان هذا الخوف يلازمني منذ صرت ناسكاً". قال هذا وما لبث ان رقد بالرب مملوءاً قداسة سنة 449 وله من العمر 95 سنة. صلاته معنا. آمين!
#شربل سكران بألله