كان هذا البار ناسكاً عظيماً، أتقن الفضيلة اتقاناً عجيباً وامتاز بفضيلة الفقر، اذ لم يكن له الا مئزر يستتر به ولهذا لقّب بالمئزري. ولم يكن له مسكن، بل كان يطوف واعظاً مبشراً، وأحياناً كان يبيع ذاته للكفار كعبد يخدمهم، قصد أن يعظهم ويردهم الى الايمان بالمسيح.
وذهب مرة الى مدينة آثينا، فجال فيها ثلاثة أيام ولم يُعطه أحد شيئاً ليأكل، فخارت قواه جوعاً، حينئذ وقف في مكان عال وأخذ يصفق بيديه وينادي:" يا أهل آثينا، ارحموني وعينوني". فتراكض الناس اليه وسألوه عن أمره، فقال لهم:" اني قبطي خرجت من وطني ووقعت في أيدي ثلاثة أسياد وأنا مدين لهم، فنجوت باذن الله من الاثنين، أما الثالث فلم يزل يلازمني ويضايقني، ويلح بطلب حقه مني". فأشكل معنى كلامه على الفلاسفة الحاضرين فأستوضحوه، فقال:" كان يحاربني ثلاثة: رذيلة الزنا، ومحبة الفضة ومحبة البطن. فانعتقت من الاثنين الاولين وانتصرت عليهما بقوة الله. أما الثالث أي محبة البطن فلم أتمكن من التخلص منه، وها قد مرت علي أربعة أيام، لم أذق فيها شيئاً. فظنه الفلاسفة محتالاً يطلب الحصول على الفضة، فنقده أحدهم ديناراً، فاشترى به حالاً رغيفاً سد به جوعه. فتحقق الفلاسفة صدقه واكبروا فضيلته وأعجبوا بطريقته الغريبة.
وقد سار مرة ماشياً من مصر الى الحبشة مسافة عشرين يوماً في البرية لكي يزور القديس مرقس الناسك. وفي طريقه أتاه ملاكان بقوت تمكن به من مواصلة سيره. وقد سُرَّ بقدومه مرقس الناسك، فأقام عنده مدة ممارساً معه الصلوات وانواع التقشفات، الى أن رقد بالرب في أواسط القرن الرابع، وله من العمر ستون سنة.صلاته معنا. آمين.
#شربل سكران بألله