كان هناك حديقة جميلة بها أنواع كثيرة من النباتات و الطيور و الحيوانات الأليفة.
كان الأخوة ينعمون بالعيش في القصر و اللعب فى الحديقة، أمّا أجمل أوقاتهم فيقضونها حينما يحضر أبوهم، يسمعهم و يتكلّم معهم.
و فى إحدى تلك المرّات سأله الأمير :
"يا والدى ماذا يوجد خارج أسوار القصر؟"
أجابه الملك :
"لقد سألتني هذا السؤال من قبل يا إبنى، و قلت لك إنّ خارج هذه الأسوار ظلام شديد، يسكنه أُناس أشرار هم أعداء لمملكتي.. لماذا تسأل هذا السؤال دائماً؟"
- "فقط حبّ إستطلاع يا والدي"
- "حسناً و لكن إحذر لئلّا يقودك إلى ما لا يُحمد عقباه"
- "لا تقلق علىّ يا أبى" ......
إنتهت المناقشة عند هذا الحد و لكن الأمير لم يهدأ باله إذ ظلّ يُفكّر فيما يوجد وراء الأسوار.
و في اليوم التالي نزل إلى الحديقة و مشى بجانب السور يتفحّصه لعلّه يجد ثغرة يستطيع منها أن يطلّ على الخارج، و في نهاية اليوم وجدها...
ثغرة صغيرة جداً بالكاد تسع قبضة يده.
لم يصدّق نفسه، لقد وجد ما كان يشتهيه أخيراً، و من شدّة فرحه أخذ يجري نحو القصر لئلّا تنكشف لعبته، و في نيّته العودة مرّة أخرى ليستكشف المكان .
لم يلاحظ أباه الَّذي كان واقفاً على باب القصر إلاّ عندما بادره قائلاً :
- "أين كنت يا إبني؟" ....
- "هه، آه كنت فى الحديقة" .."
- "أعلم أنّك كنت في الحديقة.. ماذا كنت تفعل؟"
- "كنت أفحص السور" ....
- "و ماذا وجدت؟" ....
تردّد الأمير قليلاِ ثمّ قال :
- "وجدتُ ثغرة في السور" ......
- "إذن لقد وجدتها" ......
- "نعم يا والدي، و لكن لماذا صنعت هذه الثغرة وسط كل هذا السور المنيع؟" ......
- "لأنّي أريد أن أولادي الَّذين يمكثون معي يفعلون ذلك عن حب، و ليس لأنّي أرغمهم على البقاء معي" .......
- "و لكن ألم يكن من الأسهل أن تصنع السور كلّه منيعاً، حتى لا تساور أحد أفكار الخروج و إستكشاف ما وراء السور" ....
- "بالطبع أسهل كثيراً، و لكنّي أحبّ أولادي و أساس الحبّ الحريّة" .....
سكت الأمير قليلاً، و بدت عليه علامات الحيرة .
-" يا إبني، أنصحك أن تبتعد عن السور تماماً، إفرح مع إخوتك و إلعب معهم، تمتّع بالحديقة الجميلة التي صنعتها من أجلكم، كل هذا القصر و الحديقة ممتلئ بكل ما تحبّون، أبعد فكرك عن السور و إنشغل بما وهبته لك....
- "نعم يا أبتِ"
و لكن الأمير لم يسمع نصيحة والده بل كان يترك أخوته يمرحون في الحديقة و يتسلّل ليجلس أمام السور عند الثغرة عدّة ساعات كل يوم، يفكّر فيما وراء السور، و ذات يوم لم يطق صيراً فنهض من جلسته، و قال فى نفسه :
- "لن أخرج كلّي سأخرج رأسي فقط و أرى بعيني"...
و يا للعجب لقد إتّسعت الثغرة عندما وضع رأسه من خلالها فخرجت من الجانب الآخر.
إتّسعت عينا الأمير بالدهشة فلم يكن المكان مظلماً كما قال أبوه، بل بالعكس كان فيه نباتات جميلة و أشجار وارفة كما أنّه لم يرَ من الأعداء الذين حذّره منهم أباه.
فكّر أنّ والده لم يكن على حق عندما قال أنّ المكان بالغ الخطورة، فقال :
- "سأنزل و أرى بنفسي ".
نزل الولد من الفتحة التي في السور إلى أرض الأعداء، و أخذ يتأمّل بإعجاب كل ما حوله.
و لكن بعد عدّة خطوات بدأ يستنشق رائحة كريهة، و بعد لحظات أخرى وجد رجليه تغوصان في وحل و طين قذر...
أخذ يحاول شدّ نفسه فلم يستطع، فعلا صوته بالصراخ طالباً النجدة.
و ما هي إلّا لحظات حتّى كان يحيط به رجال سود، شكلهم في غاية القباحة و كل منهم ممسك برمح و سهام و قوس فى يده...
أخذ يحاول الرجوع من حيث أتى و لكنه لم يجد الفتحة الَّتي جاء منها.
إقترب منه الأعداء و أمسكوا بيديه و قالوا لبعضهم :
- "هذا كان صيداً سهلاً، الآن سنتعشّى عشاءً فاخراً."
أمّا هو فنادى على والده بكلّ ما فيه من عزم، و هنا رأى والده قادماً مسرعاً من على بعد، فلمّا رآه الأعداء تركوا الولد و هجموا على الأب فعرّوه و ضربوه ضرباً مبرحاً ثمّ جرحوه جراحات عميقة نزف على إثرها حتّى كاد أن يموت و لكنّه قبل أن يسلم الروح أشار بيديه إلى إبنه وأراه طريق العودة، فنظر الولد وإذ الفتحة قد عادت في السور فجرى ناحيتها و قبل أن يدخل ألقى نظرة على أباه فوجده قد أسلم الروح.
دخل الولد قصر أبيه و هو يبكي بكاءً مرًّا و هو يقول :
- "كل هذا بسببي، أنا الَّذي قتلتُ أبي، لقد مات و هو ينجدني.. أنا الَّذي كنت يجب أن أموت لا هو.. لقد أحبّني حتّى مات عنّي و أنا لم أكن أحبّه بالقدر الَّذي يجعلني أطيعه، لقد حذّرنى مرّات كثيرة و لكنّي بغباوة تصرّفت.. آه يا والدي سامحني على ما فعلته بك، أنا الجاني".
إستمرّ الولد على هذا الحال ثلاث أيّام لم يذق فيها طعم النوم و لا الأكل.
و لكن فيما هو في البستان في فجر اليوم الثالث رأى والده مقبلاً من بعيد و لكنّه شكّ و قال في نفسه :
- "رّبما كان البستانيّ".
و لكن والده نادى عليه فجرى نحوه و إرتمى في أحضانه و أخذ يقبّله و هو يقول :
- "سامحني يا أبتِ لقد أخطأتُ في حقّك، لم أطيعكَ و مشيتُ وراء عناد قلبي" ...
فردّ أبوه بحنان بالغ :
- "لقد سامحتك يا إبني".
- "و لكنّي أودّ أن أسألك سؤلاً، لماذا لم أرَ الفتحة في السور عندما كنتُ في الجانب الآخر، لماذا إختفت؟" ....
- "لأنّ هذه الفتحة ذات إتّجاه واحد فقط، لابدّ أن أموت أنا حتّى ترى طريق العودة، و الآن هل تريد أن تخرج مرّة أخرى؟"
فخرّ الأمير على ركبتيه أمام والده :
"لا يا أبتِ لا أريد أن أفارقك لحظة واحدة، سأعيش أتمتّع مع إخوتى معك فأنا أحبّك ".
عزيزي القارئ...
هل تعلم أنّك أنت الأمير وأبوك الّذي تعيش معه هو الملك السماويّ الَّذي بذل ذاته ومات من أجلك ...... ؟
هل تتركه بعد أن دفع حياته من أجلك ومات بدلآ من أن تموت أنت ؟؟؟؟؟؟
هل تتركه أم ستتمتّع بالحياة معه؟؟؟؟
#شربل سكران بألله