لست أعلم ياصديقي القارىء إذا ما كنت قد سمعت عن دوغلاس كوريغان.
هذا الرجل الذي أقلع في طائرته من بروكلين في نيويورك في رحلة يقطع فيها الولايات المتحدة إلى مدينة لونج بيتش في كاليفورنيا.
ولكن بعد ثلاثة وعشرين ساعة طيران هبط بطائرته في مدينة دبلن في إيرلندا، وتوجّه بسؤال إلى المسؤولين: هل هذه مدينة لوس أنجلس؟
كان هذا في عام ١٩٣٨.
ولسنوات طويلة ضحك الناس من هذا الخطأ الكبير الذي إرتكبه هذا الطيّار.
ضحكوا على جهله في معرفة الإتجاه الذي كان يطير فيه.
ولكنّ الرجل نفسه عاد وإعترف في عام ١٩٦٣ وذلك بعد ٢٥ عاماً من الحادثة أنّ رحلته فوق الأطلس لم تكن خطأ، إنما كانت خطأ مقصوداً.
فرغم أنّه كان يريد الطيران إلى غرب الولايات المتحدة، وأخذ إذناً من الجهات المسؤولة بذلك، لكنه، في قلبه، كان ينوي السفر إلى إيرلندا وحقّق نيّته.
خطأ مقصود.
عزيزي القارئ...
لستُ أعلم إن كنت تجد في هذه النادرة صورة لما نعيشه يومياً في علاقاتنا بعضنا ببعض وفي علاقتنا مع الله تعالى.
في بيتنا على سبيل المثال حين يؤذي أحد الأولاد غيره، أو حين يعود وثيابه متسخة أو يشكو من ضياع قلمه أو سواه كثيراً ما نسمع عبارة لم أقصد.
وإذ تتكرّر نفس الحدث يوماً بعد يوم أو أسبوعاً بعد أسبوع فإنّنا نشك فيما إذا كان الحدث فعلاً غير مقصود، أم إذا كان نتيجة إهمال.
من نفس المنطلق يتذرّع الواحد منا عندما يخطىء في حق الله بأنه لم يفعل هذا قصداً.
ويكون من حق الله تعالى، وهو العَالِمْ بكل شيء، يكون من حقه أن يشكّ في صدق النيّة ولا سيّما عندما تتكرر الأخطاء والخطايا يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة.
قد لا يعتبر الواحد منّا نفسه يخطىء إلى الله عندما يكذب أو يسرق أو يلعن أو يكسر، ولكن هذه المواقف القلبيّة والتي تنعكس في تصرفات خارجيّة، كلاميّة كانت أو عمليّة، كسر صريح وواضح للوصايا الإلهيّة التي أعطاها للإنسان.
في المرْة القادمة عندما تخطىء في فكرك أو في قلبك أو عندما يخطىء جسدك، إعلم أنك تخطىء بحق الله أولاً، وأرجو ألّا تتذرّع بأنّه خطأ غير مقصود.
ولكن إن سألتني عن الحل فهو يكمن في الإعتراف للّه بحالتنا كما هي، وعدم إخفاء أي شيء.
لا تعترف له بالخطيئة الفعليّة فحسب، بل إفتح قلبك وعبّر له عن مشاعرك، عن تجاربك، لا بل عن كل ما يجول في نفسك.