سيتم إعلان شارل دي فوكو قديسًا في روما في ١٥ من أيار مايو ٢٠٢٢؛ لكن في الأراضي التي بذل فيها الأخ شارل ليسوع حياته، ورفع وعبد لسنوات القربان المقدس في الصحراء، ترافق قداسته وتروي يومًا بعد يوم من خلال طرق غامضة وصامتة حياة ومسيرة الجماعات المسيحية بأشكالها المتعددة في جميع أنحاء المغرب العربي.
في الجزائر، البلد الذي عاش فيه فوكو جزءًا كبيرًا من مغامرته الروحية التي لا تضاهى وحيث قُتل في الأول من كانون الأول ديسمبر عام ١٩١٦، بدأ الأساقفة وممثلو الجماعات الكنسية المختلفة الحاضرة في البلاد في مناقشة كيفية تحديد الطريق المحلّي نحو الاحتفال بإعلان قداسة الأخ شارل.
وفي حديث لوكالة الأنباء الكاثوليكية فيديس قال المطران نيكولا ليرنولد أسقف قسنطينة “هناك برنامج قيد الدراسة”، كذلك هناك كتيب باللغتين الفرنسية والعربية يحتوي على الحياة والأفكار الرئيسية لروحانية القديس المستقبلي، وبالإضافة إلى معرض متنقل تم إنشاؤه في عام ٢٠١٦، بمناسبة الذكرى المئوية لوفاته، ويتم عرضه الآن في بازيليك “Notre Dame d’Afrique” في الجزائر العاصمة، ويهدف هذا المعرض لتعريف المؤمنين بقصة حياة الأخ شارل دو فوكو وروحانياته. كذلك يتمُّ تقييم إمكانية القيام برحلات حجٍّ للجماعات المحليّة إلى الأماكن التي عاش فيها الأخ شارل.
ويتابع المطران نيكولا ليرنولد يندرج إعلان قداسة شارل دو فوكو في سلسلة من الأحداث والمناسبات التي تلمس حاضرنا وذاكرتنا الكنسية. ما زلنا نحتفل بالذكرى الخامسة والعشرين لوفاة الكاردينال ليون إتيان دوفال، الذي كان رئيس أساقفة الجزائر من ١٩٥٤ إلى ١٩٨٨ وقاد الكنيسة الجزائرية في السنوات الحاسمة لإنهاء الاستعمار والاستقلال.
وبالتالي فإنه أمر مهم جدًّا بالنسبة لنا أيضًا الاعتراف بالفضائل البطولية للأخت مادلين ليسوع، التي أسست في عام ١٩٣٩ أخوات يسوع الصغيرات في تُقرت، في الصحراء الجزائرية، على خطى شارل دو فوكو. ثم هناك حقيقة شهداء هذه الأراضي وقديسيها، من القديس أوغسطينوس إلى بيار كلافيري، أسقف وهران الذي قُتل عام ١٩٩٦، مع رفاقه الـثمانية عشر، ومن بينهم رهبان تبحرين السبعة، الذين تم تطويبهم في عام ٢٠١٨.
ويضيف المطران المطران نيكولا ليرنولد بالنسبة للكاثوليك في الجزائر، فإن المسيرة نحو إعلان قداسة شارل دو فوكو والأحداث الأخرى تمثل أولاً فرصًا ثمينة لكي نكتشف مجدّدًا دعوتنا لكوننا كنيسة الناصرة، وكنيسة العلاقة واللقاء، ولكي نتذوّق مجدّدًا جمال الثلاثين سنة من “الحياة الخفية” التي عاشها يسوع قبل أن يبدأ رسالته العامة. ويشرح المطران نيكولا ليرنولد إنَّ الوضع الذي نعيش فيه يوضح لنا أننا مدعوون لكي نقوم بأمور كثيرة وإنما لكي نسمح للرب بأن يقبلنا. لأننا هنا في المقام الأول لكي يتمَّ قبولنا. ويسوع في إنجيل متى يقول: “مَن قَبِلَكم قَبِلَني أَنا”.
لهذا السبب، فإن إحدى روايات الإنجيل التي ننظر إليها بتأثُّر كبير هي قصة زيارة العذراء إلى نسيبتها أليصابات، والتي تقدم لنا مريم التي تقوم وتمضي مسرعة إلى نسيبتها؛ إمرأتان تحملان طفليهما في أحشائهما وبلقائهما وكلمات أليصابات أزهر نشيد مريم على شفتيها. إن خبرتنا تابع المطران ليرنولد يقول تملك شيئًا مشابهًا. إننا نتأثر كل يوم بحياة أصدقائنا المسلمين، الذين لا يعرفون في معظم الأحيان ما هو الإنجيل، ولكن في هذا اللقاء بالتحديد يمكن لحياة كلِّ فرد منا أن تُطلق نشيدها على مثال مريم.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنَّ مفهوم “كنائس زيارة” قد ظهر في الرسالة الراعوية “خدام الرجاء”، التي أصدرها أساقفة المغرب الكاثوليك في عام ٢٠١٤ كمساهمة مشتركة لمساعدة الجميع على قراءة “علامات الأزمنة”.
إن الرؤى النبوية الثمينة الموجودة في تلك الوثيقة تستقي من الروح الكنسيٍّ النادر والقوي للمؤمنين، والذي يتغذّى من الامتنان لعدم كونهم الفاعلين الأوائل ولا أصحاب العمل الرسولي. ونقرأ في الرسالة في ظل الظروف التي تعيش فيها الجماعات المسيحية في بلدان المغرب العربي لا داعي لكي نقلق لخلق مناسبات مصطنعة للقاء الآخرين، كما وأنه لا داعي للقلق بشأن البحث عن مبررات مصطنعة “لكي نكون حاضرين”، لأنَّ الحياة نفسها توفر إطارًا للقاء مع الإخوة المسلمين: “المناسبات العائلية والاجتماعية، والأعياد الدينية، وجميع الظروف تشكل جميعها فرصًا لكي نتعرّف على بعضنا البعض بشكل أفضل، ونساعد بعضنا البعض، ونلتقي ببعضنا البعض”.
كما يكتب الأساقفة أيضًا: يطيب لنا أن نرى في حدث الزيارة. بعيدًا عن أي غزو، نموذج الرسالة، رسالة ليست إلا زيارة، تمامًا كما في زيارة مريم إلى أليصابات حيث الروح القدس هو مهندس اللقاء، ويفتحنا على الشكر على الثمار التي نلناها، وهي ثمار مدهشة على الدوام.
كذلك نجد في وثيقة عام ٢٠١٤، ذلك التفضيل الكنسي العامل الموجه إلى جميع الفقراء في تلك المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، بغض النظر عن الاختلافات الدينية والثقافية، ونقرأ في الرسالة: في عيشنا لهذه البشرى السارة المُعلنة للفقراء، وبالتالي لهذه الرسالة ذات الأولوية للإنجيل نحن نجد مصدر فخرٍ لنا.
لأننا كفقراء في كل شيء، نحن نعيش على الرجاء الذي نستقيه من قلب المسيح. ويؤكّد المطران نيكولا ليرنولد في هذا السياق خلال السنوات الأخيرة بدأنا نشعر بشكل أكبر بسمات محبّة فاعلة في خدمة الأشخاص، جنبًا إلى جنب مع المسلمين، في خبرة أخوّة ملموسة.
وهذه هي الشهادة التي يمكننا تقديمها ونريد أن نقدّمها. مشاركة ذات جذور قديمة. ويكتب شارل دو فوكو نفسه في رسالة كتبها إلى لويس ماسينيون، في الأول من نيسان أبريل عام ١٩١٦، قبل ثمانية أشهر من وفاته، كوصيّة أخيرة: “أعتقد أنه لا توجد كلمة في الإنجيل تركت انطباعًا عميقًا لدي وغيرت حياتي أكثر من هذه الجملة: “كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه”.
في عيد الميلاد لعام ٢٠٠٥، كتب البابا بندكتس السادس عشر في رسالته العامة “الله محبة”: “إن المحبة مجانيّة ونحن لا نمارسها لكي نحقق أغراضًا أخرى […] وبالتالي لا يجب أبدًا على من يمارس المحبة باسم الكنيسة أن يحاول أن يفرض إيمان الكنيسة على الآخرين، لأنّه يعلم أن المحبة في نقاوتها ومجانيتها هي أفضل شهادة لله الذي نؤمن به والذي يدفعنا إلى الحب.
إنَّ المسيحي يعرف متى يكون الوقت للتحدث عن الله ومتى يكون من الصواب أن يسكت ويترك الحب يتكلم. لإنه يعرف أن الله محبة، وهو سيحضر في اللحظات التي يُعاش فيها الحب. كذلك وفي تموز يوليو ١٩٠٤، كتب شارل دو فوكو من جنوب بني عباس إلى نسيبته ماري دي بوندي: “إنَّ السكان الأصليون يستقبلوننا بشكل جيّد… متى سيتمكنون من تمييز الجنود عن الكهنة ويرون فينا خدامًا لله، وخدام للسلام والمحبة، والأخوة العالمية؟ لا اعرف. ولكن إذا قمت بواجبي، فإن يسوع سيسكب نِعمًا غزيرة، وهم سيفهمون”.
#شربل سكران بألله