تأمل من القديس يوحنا الذهبي الفم .
«يا قَليلي الإِيمان، لِماذا تَقولونَ في أَنفُسِكم إِنَّه ليسَ عِندكم خُبز؟»
بما أنّ الرسل كانوا ما يزالون متعلّقين بالشعائر اليهوديّة، وجّه الربّ إليهم توبيخًا قويًّا علّه يكون مفيدًا للآخرين جميعًا. ولأنّ الرّب يسوع يعرفهم، قال لهم: "يَا قَليلِي الإِيْمَان، لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ في أَنْفُسِكُم أَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْكُم خُبْز؟" أي "لماذا تفكّرون بأنّني أردت التحدّث عن هذه الأرغفة الماديّة، التي يجب ألاّ يكون لديكم أيّ شكّ بشأنها بعد أن أنتج هذا العدد الصغير من الأرغفة بقايا هائلة؟" إنّ غايته من ذلك هي تحريرهم من كلّ قلق على الغذاء. لكن لماذا لم يوجّه إليهم هذا التوبيخ حين عبّروا له عن شكّهم قبل ذلك حين سألوه: "مِن أَينَ لَنا في مَكانٍ قَفْرٍ مِنَ الخُبزِ ما يُشبعُ مِثلَ هذا الجَمْع؟" (مت 15: 33) يبدو أنّ الظرف كان مؤاتيًا أكثر في هذه المرّة. غير أنّ ربّنا لم يوبّخهم في تلك اللحظة حتّى لا يبدو وكأنّه يأخذ المبادرة في العجائب التي يجترحها، وأيضًا حتّى لا يكون الشعب شاهدًا على هذا التوبيخ الذي كان سيوجّهه إليهم. لقد شعر الرّب يسوع بحافز ليوجّه هذا التوبيخ حين رأى أنّهم ما زالوا بعد أعجوبة تكثير الخبز المزدوجة قلقين بشأن الغذاء. ولكن انظروا إلى عذوبة هذا التوبيخ. فقد أجاب بنفسه كما لو أنّه يعذر مَن وبّخهم للتو مضيفًا: "ما تَذكُرونَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ لِلخَمْسَةِ الآلافِ وكَم قُفَّةً رفَعتُم؟ " أي "ألا تفهمون هذا السرّ؟ ألم تعودوا متذكّرين لقدرتي؟" إنّه بهذا يذكّرهم بالأعاجيب التي وقعت، ويلفت نظرهم أكثر إلى تلك التي سَتلي.